بين العراق ومصر لعبة المرضى
علي
الابراهيمي
الاسلام
دين الله , ولا يوجد مسلم - يعتز باسلامه - يريد خلاف دين الله . اننا لا نستطيع ان
نجعل الاسلام هوية قومية , ولا يمكن ان ندعو كل من عاش تحت شعار الاسلام مسلما , فالدين
سلوك لا انتماء نسبي .
والاسلام - كباقي الديانات السماوية وحتى الارضية
- ابتلي بنوع من المنتمين اليه نسبا الخارجين عليه سببا , ذلك النوع من الناس الذين
يعيشون بوجوه متعددة , يتناسب كل وجه فيهم مع مصلحة ونفع معين , وهم لذلك لا وجه لهم
ولا يمكن تشخيص هويتهم .
كذلك ابتلي هذا الدين بنوع آخر من البشر عقولهم غلف
, لكنهم يحسبون انهم يحسنون صنعا , بلغوا من السذاجة حد السماجة , لو ربطانهم الى جنب
بهيمة لن نجد اختلافا في العقل , لكننا سنجد عند بعضهم او اكثرهم حبا للدين , دونما
فهم ولا وعي . وامثال هؤلاء حق على اصحاب العقول العمل على استنقاذهم من وحل عقولهم
.
وعلى وفق القياسات المتداولة اليوم نستطيع تقسيم
الجهتين السابقتين الى مصطلحين : جهة اسلام الاعلام , وتيار اسلام العوام . ووجه تسمية
احداهما بالجهة والاخرى بالتيار : ان الاولى نخبوية , لكنها اكثر قدرة على المراوغة
, واقرب للتسلط . اما الثانية فانفذ شعبيا , لانها تساير رغبات واهواء المجموع العام
من الناس , على اختلاف رغباتهم ودونما ضابطة , لكنها اقل قدرة على المراوغة , وابطأ
في التفكير , واكثر مجازفة , واحمق تهورا
.
ومثل هذه الجهات تكون متحركة دائما الى جنب حركة
القيادات والجماعات والمؤسسات الحقة الواقعية الممثلة للدين بصورة حقيقية , لكن الاخيرة
تكون حركتها الاجتماعية متوقفة على استيعاب المجتمع لها , وبالتالي فتحديد سرعتها ونجاحها
والقدرة على تنفيذ مشاريعها يفرضها التقبل الاجتماعي لها .
وجميع هذه الحركات المختلفة لا تظهر الا في المجتمعات
الحية , وذات البعد الحضاري والمدني , كالعراق ومصر , حيث تختلط المجتمعات , من ريف
وحضر وبدو , من مجموعات ذات موروث , واخرى مبتورة , ومن الصعب وجودها او ظهورها في
مجتمعات ميتة , كالمجتمع الخليجي مثلا .
لذلك
, لا اجد نفسي متفاجأ بالعلاقات المصرية العراقية , بل لا استبعد تطور العلاقة مستقبلا
, فالبلدان متشابهان الى حد كبير في ظروفهما وبيئتهما , وكلاهما يقودان طرفي العالم
الاسلامي . لكن طريف ان اللعبة في البلدين تكررت , فجماعات من ذوي اللحى الفوضوية
, والتي تعيش في الماضي وتقف عليه , وترفض الخضوع لمعادلات الحاضر - نظريا لانها في
الواقع تعمل بلا معادلات - , تثير الفوضى في البلاد , وتخلق الاضطراب للعباد , لها
في كل صباح عدو جديد وصديق جديد , وربما كان العدو الصديق السابق وبالعكس ,
تعبد النص , لا تتعبد به , تختلف فيه وعليه , لتتمزق وتفرخ جماعات وتيارات جديدة اغرب
منها . وهي متشابهة في البلدين حد التطابق , لكنها في مصر سنية , وفي العراق شيعية
.
وفي
المقابل هناك الجهة النفعية النخبوية , التي تشعر انها بنت السماء , وترى الناس سكارى
وما هم بسكارى , تراوغ وتبيع وتشتري , دون ان يهتم لخداعها احد , لانها تعطي الناس
ما يريدون , لا في الواقع بل على الشاشات والمنابر الاعلامية , اما على الارض فهي تأخذ
ما تريد .
يعيش جميع هؤلاء تحت غطاء رجال دين كبار - مستقلين
داخل اللعبة - اشباه لابي موسى الاشعري و شبث بن ربعي وكعب الاحبار , وكل وعاظ السلاطين
.
الجميع تربطه بالآخرين المرونة , وامتطاء النصوص
, وعبادة الاوثان النفسية . كل هؤلاء يراهنون على سذاجة الناس , وسلاح الجميع لعبة
التجهيل . فجهة تستغل الحماسة البدوية لعامة الناس , والتي تكون عادة منفلتة وغير منتجة
عند غياب العقل , لتحقق مآربها الزعامتية البسيطة , التي تهدأ عندما تحس انها وحدها
تمثل جيل الصحابة والتابعين , او انها تمثل خالصة انصار العلماء . لتأتي الجهة النخبوية
, التي فتحت خطوطها التعاملية مع الغريب والقريب وتقتطف ثمار جهل وحماسة التيار السابق
! .
هذه
الجهات قد تتقاتل ليلا ، لكنها تتحالف صباحا ، ثم تتصارع ليلة أخرى ، بسبب اللامبدأ
، وبسبب الجهل المركب الخديعة وحب التسلط ووفرة العبيد من غثاء الناس . فيما تكون حصة
رجال الدين الكبار والمؤسسات العريقة علميا ان تحظى باعتراف من الجميع ان الملك الديني
منها , وتخضع له المؤسسات التي ترمز للاسلام الصنمي , الذي تم انشائه بعد دخول الاستعمار
. والرابح الاكبر دائما هو من يدير اللعبة من خارجها , وهو ذاته من يحمي الجميع , وهو
كذلك من يهيأ الادوات , والاهم انه من يغيّب العقول . في العراق ومصر هناك من يصل للسلطة
, لكنه ليس داخل الجماهير , وهناك من هو وسط الجماهير , لكنه خارج الدين , وهناك من
لا خلاق له .
سنجد في البلدين رجالا مؤهلين لقيادة الناس , لكننا
سنواجه صعوبة كبيرة في ايجاد الناس الذين يعون ماهية القيادة الواعية .
هناك
دائما شباب متحمس و حلقات وسطية لشباب يظنون انهم اوصياء الانبياء وامناء الرسل , فيما
هم لا يفقهون حديثا , يقعون في المحذور , وهم يدعون الناس لتجنبه , ويشاركون في امر
, كانوا يقاتلون سابقا ضده , بداعي خروجه عن شرع الله ! , فيما هم انفسهم لا يعرفون
حدود شرع الله . وامثال هؤلاء يتبعهم الكثير من شبيبة العوام , لانهم يوفرون جو الحماسة
ويرفعون صوت نعيقهم , ولديهم شجاعة الاستعراض , وفن عرض العضلات .
وهناك ايضا العصابة التي اضرت البشرية منذ الازل
, النفعيون الانتهازيون البراغماتيون , الذين يتحدثون بلغة يتصورها العوام انها لغة
العلم والنخبة , والطبقات المتعلمة المتنورة , فيما تدري المنظمات الدولية الماصة للدماء
انها اللغة ذات الوجوه المتعددة والتعابير المترددة , انها لغة الكذب , فتباركهم تلك
المنظمات كهنة في السلطة . لانهم يمتلكون ادوات السلطة والخضوع في نفس الوقت , الكذب
والقتل والهروب واتهام الاخرين وتسقيطهم . لهذا نجدهم بين ليلة وضحاها من سجناء الى
سجانين , ومن عبيد الى قادة , لكنهم عبيد في ذات الوقت ؟ .
في مصر والعراق يتعب المصلحون , لكنهم يقطفون ثمار
تعبهم لاحقا , لان البلدان الاخرى ميتة , وتكون الجهود الاصلاحية فيها اضيع . تحدثت
سابقا ان بين العراق ومصر تشابه حركي , ولولا التحرك العالمي الطائفي والعدواني , الممهد
للمرحلة القادمة من اللعبة الدولية , لرأينا تقارب المنحرفين في البلدين من بعضهما
, وكذلك تقارب المصلحين . اننا اليوم نشهد تقارب من في قلبه مرض فقط بصورة أوضح ، لظروف
موضوعية .
تعليقات