توظيف الثقافة ام وظيفة الثقافة
توظيف
الثقافة ام وظيفة الثقافة
بغداد
ستكون عاصمة للثقافة العربية ، من هنا اردت ان اناقش واقع الثقافة هنا ، قبل قدوم المثقفين
من هناك .
الثقافة
- بنظري - هي الموسوعية المنتجة ، بمعنى ان الأنسان يكون محيطا بما حوله ، ومطلعا على
واقعه وواقع الاخرين ، بنحو المعرفة والوعي ، ويسخر هذه المعرفة الواعية في تحريك الواقع
باتجاه الأفضل . لذلك لا أجد معنى لثقافة النوادي والمقاهي و ( الحانات ) ، اذا لم
تكن موجودة على الأرض ، يلمس المجتمع تأثيراتها .
نجد
بعض من يرتدي القميص الفارغ للثقافة يحصرها في مقهى وكوب من الشاي ، فيما نرى الجيل
الشاب يرى الثقافة هي ان يعيش بشخصية ليست له ، ويرتدي ( الكاسكيتة ) ، او يلف ( اليشماغ
) حول رقبته . بالأضافة لمجموعة من السلوكيات التي يعرفها أبناء الوسط الثقافي ، اتركها
لصعوبة نقلها للقارئ ، وهي متممة اليوم للثقافة الشكلية السائدة .
وأحيانا
نجد مجموعة من المثقفين النهمين للقراءة والكتابة ، لكنهم يعيشون واقعا من الجهل العملي
، بمعنى انهم يكتبون عن الحرية فيما هم اخس أنواع العبيد . اعرف شخصيا أحد المتصدين
في المشهد الثقافي ، هو في ذات الوقت مسؤول عن أحد الاقسام القانونية المهمة لأحد الشركات
الكبرى ، يعاني العاملون معه وزملاءه من قيود الاستغلال وسرقة الحقوق ، ومعالجة هذه
المشكلة يعتمد على جهود هذا ( المثقف ) ، لكنه يعيش واقع ( حشرا مع الناس عيد ) ، ويساير
التيار الاستغلالي - رغم ضعف هذا التيار - ، وينشغل بالخدر الثقافي .
وفي
احيان كثيرة نرى نوعا آخر من المثقفين - اصطلاحا - ، لكن حقيقة وجودهم ووظيفتهم لا
تتعدى ( اللصوصية ) ، فهم يشكلون مجموعة (مافيات ) ذات نفوذ واسع ، سلاحها المال والاعلام
، ولغتها الضرب تحت الحزام ، تعيش على سرقة جهود الاخرين ، وتستمر في الوجود عن طريق
قتل الناجحين ، وتغطي جرائمها بتصفيق ثقافي بعد كل جريمة وكتاب شكر ، فيما توزع أدوار
المديح للذات بين أعضائها او عبيدها ، ويساير تحركها بعض المتملقين او الخائفين .
وقد
يشاهد بعضنا مثقفين همهم لا يتعدى ( الكأس ) ونظرة للوجه الحسن ، اما اذا رأى قواما
حسنا فسينتج مشهدا ثقافيا بامتياز .
اما
الحركة الثقافية النسائية فتعاني وحدها تعقيدات , اجد من الصعب والمحزن الحديث فيها
, وكيف يتم التعامل مع النصوص والنتاجات النسائية , وكذلك الطريق الذين تسلكه بعض المدعيات
للانتماء الثقافي , لذلك اترك الخوض فيها , احتراما للكثير من مثقفات هذا البلد المعطاءات
, والبعيدات عن اللعب بالاوراق الثقافية .
ولعل
البعض يستغرب ما اطرح هنا ، او يسيئه ذلك ، فأقول ما عليه الا ان يفتح ملفات التحقيق
في الجهود الأدبية والثقافية المسروقة ، والشخصيات الثقافية الحقيقية الابداع والمغيبة
عن المشهد الاعلامي الثقافي ، وكذلك مجموعة الاسماء التي نالت جوائز عالمية او عربية
، فيما نالت الاهمال وطنيا ومحليا .
يرافق
هذه الصور مشهدان اخران ، أكثر خزيا ، واسوأ وقعا ، يتمثل الأول في مرض ( انفصام الشخصية
الثقافية ) ، حيث يعيش الكثير جدا من مثقفينا - الاصطلاحيين - تحت وطأة التأثير الثقافي
الأجنبي ، وغياب الشخصية الوطنية ، وربما معاداة النموذج الوطني للثقافة . فنرى بعض
الشباب - بالأضافة لبعض رواد جيل السفر - يظن ان الثقافة هي التخلي عن الهوية واللغة
والجذور ، وهنا نراهم يتحدثون بغير لغتهم وبغير وعيهم ، ويفتقدون للمعرف الثقافي ،
وصاروا لا يعرفون من هم ، فكيف سيعرفهم الاخرون ؟! .
اما
المشهد الاخر يختزل رؤيته الثقافية في ليلة حمراء وكأس وعود ، ليفقد الوعي عند وصوله
لوقت الفجر الثقافي ، فيصل الى منزله مجهدا ، لينام ، ويستيقظ في نهار اليوم التالي
، وبعد جهد يستعيد وعيه للطعام ، ليكرر المشهد ليلا .
وبالطبع
فان جميع هؤلاء قتلة محترفون للواقع الاجتماعي ، ومدمرون للهوية الثقافية العراقية
، ورأيي الشخصي ان يتم حجزهم اداريا ، حتى ينتهي مهرجان بغداد عاصمة للثقافة العربية
.
ولكن
في المقابل هناك طيف واسع جدا من ألمع وأنبل المثقفين على أرض العراق ، رفدوا ويرفدون
المشهد الثقافي العربي بالابداعات تلو الابداعات ، بل ان بعض مثقفينا اصبح يشكل اصلا
من اصول الثقافة العربية , فيما صار آخرون ركيزة في الادب والفكر عالميا .
ان السلبيات
اعلاه لا تشكل حاجزا امام حقيقة ان الثقافة في العراق هي الاكثر عمقا على الساحة العربية
, لان المشهد العربي اكثر قتامة , واسوأ عطاءا . كما ان الشكل ظل هو المسيطر بدل المضمون
عربيا . ان العقل الجدلي العراقي منتج , لكنه تعرض لتأثير عوامل تعدد الثقافات والاهداف
والرؤى , كما تأثر بخطط مراكز المال والاعمال , ولعبت السياسة دورها في توريطه . لكنه
ظل فاعلا , ولا يحتاج الا الى الاحترام والواقعية والانصاف .
وحقيقة
وجود الواقع السيء لا تعني ان هذا الواقع غير مشخص , والاكيد اننا جميعا ندرك من هو
المثقف المنتج , ومن هو المثقف الصوري . الثقافة للثقافة مصطلح لا استسيغه , واراه
تعبيرا لغويا لحالة عبثية . فالمثقف هو ذلك الانسان المنتج اجتماعيا , والذي يشعر انه
ساهم بتقدم المجتمع عمليا . ولعل انسانا ريفيا لا يقرأ ولا يكتب هو اكثر ثقافة من اكبر
الاسماء على الساحة الاعلامية الثقافية , لان الاول يعيش حالة من الحكمة الانتاجية
في مجتمعه , بينما يعيش الثاني حالة من الخدر , وينام على فراش الترف الفكري .
تعليقات