( التطبير ) بين فتوى المرجع اليعقوبي و آراء الفقهاء .. الحلقة الثانية ( رؤية فقهية )

( التطبير ) بين فتوى المرجع اليعقوبي و آراء الفقهاء .. الحلقة الثانية ( رؤية فقهية )


علي الابراهيمي




الحلقة الاولى الموسومة ( التطبير بين فتوى المرجع اليعقوبي واراء الفقهاء .. الفقه الاجتماعي ) تضمنت رؤية المرجع محمد اليعقوبي التي تلمسناها حول مسألة التطبير والتي دعته الى اصدار فتواه الناهية عنه والداعية الى تركه , وفي هذه الحلقة ( الثانية ) سنحاول ابراز الملامح العامة لمسألة التطبير واسباب اختلاف المرجعيات في بيانها , او على الاقل غموض بعض فتاواهم , وكذلك وجود عدة فتاوى لمرجع واحد حول المسألة .
ونتيجة لما اشكله بعض الاخوة الكرام من وجود فتاوى اخرى لمراجع ذكرتهم الحلقة الاولى على انهم من القائلين بالحرمة يُستشف منها اجازة التطبير , اردت هنا ان ابين وجوه هذا التردد وملابساته .
المتشرعة - حفظهم الله – يدركون – لاشك – وجود اربعة صيغ او آليات يغذي بها الفقيه فتاواه وصولا الى المتلقي من العوام , او قل انها مجموعة تأثيرات تحيط بالمجتهد عند اصداره للفتوى وهن كالاتي :
1 – الاجوبة القطعية : وهي التي تم فيها الدليل لدى المجتهد لوضوح سنده ومتنه .
2 – الاجوبة المتغيرة : وهي التي يفتي بها الفقيه في فترة من فترات مرجعيته ثم ينسخها بفتوى اخرى في فترة لاحقة لعدة اسباب ومنها النضوج الفقهي , عدم وضوح الدليل , التطور العلمي , تغير ظروف الفتوى .. الخ .
3 – الاجوبة التقوائية : وهي التي يفتي بها الفقيه مماشاة للعقل الجمعي ومداراة لعقول العامة وخوفا من فوضى الجهال .
4 – الاجوبة المرحلية ( الجرعات ) : وهي الفتاوى التي يتدرج الفقيه في بيانها فيفتي بما يشبه الاجازة – وهو غض الطرف في الحقيقة – لكنه ينتقل في مرحلة قادمة لجرعة اخرى تفيد الحرمة او غيرها حينما يشعر بنضوج المتلقي .

وعلى هذه الاسس رأينا عدة فتاوى لعدة مراجع حول مسألة ( التطبير ) توزعت بين الرفض والقبول , او بالاحرى فهم منها المتلقي ما يريد تحصيله .
وكان للكثير من مراجع الشيعة فيها نظرات متعددة , لا لاختلافهم في حرمتها بل لاختلافهم في زمان ومكان الافتاء بحرمتها .

واتماما للفائدة والحاقا بالمقال
 اوردت ( بتصرف ) مانقله الشيخان ( عبد النبي النشابة وحسين الخشن ) حول قضية التطبير تأريخيا وفقهيا , وهي كلمات قيمة وغنية وتوضح الكثير من تداخلات المسألة :

* اقتباس عن كتاب ( الى متى هذا التطبير )

بعد مقدمة عن ظاهرة ( التطبير ) الوافدة يسترسل :

(( ... ان لم يكن من الواضح عندنا متى وكيف نشأت هذه العادة ومن هو اول من قام بها الا انه من المؤكد انها لم تكن في عصر الائمة عليهم السلام وما تلاه من قرون , لان ما نقله بعض المؤرخين – كالمقريزي في خططه وابي الفداء في تأريخه – عن مظاهر الاحتفال بعاشوراء في العصر الفاطمي والبويهي ليس فيه اشارة لهذه العادة ( سيرة الائمة الاثني عشر 2\107 ) , يقول السيد محسن الامين (( ولم ينقل ناقل ان احدا فعلها من عوام الشيعة ولا ان احدا اجازها من علمائهم في الاعصار التي كانت ملوك البلاد الاسلامية فيها كلها شيعة )) ويذكر الفاطميين والحمدانيين والبويهيين , ثم يضيف (( مع كان عليه بنو بويه من التشدد في نشر اقامة العزاء في زمانهم , تعطل الاسواق في بغداد يوم عاشوراء وتقام مراسم العزاء في الطرقات )) ( التنزيه 31 )
ويرجح السيد هاشم معروف الحسني ان تكون عادة الضرب بالسلاسل الحديدية والسيوف من المظاهر الدخيلة التي لا يقرها الشرع قد تسربت الى بعض الاقطار بعد ان حكمها الشيعة من الهنود القدامى ( من وحي الثورة 167 )

اهم دليل لتأييد تطبير الرأس في عاشوراء :
(( ان العقيلة زينب ع عندما رأت رأس اخيها الحسين مرفوعا فوق الرمح امام محملها نطحت جبينها بمقدم المحمل حتى سال الدم وتقاطر من تحت قناعها ))

الرد على الرواية لضعفها :
1 - (( ان الرواية التي نقلت ذلك ضعيفة السند لانها مرسلة كما صرح بذلك المجلسي في البحار 45 \ 114 قال ( رأيت في بعض الكتب المعتبرة روي مرسلا عن مسلم الجصاص ) ثم ذكر الرواية , والظاهر ان الكتاب الذي عنه المجلسي هو المنتخب للطريحي , كما ذكر النقدي ( زينب الكبرى 112 ) ))
2 – انه من المستبعد صدور هذا الفعل من العقيلة زينب لانه مخالف لوصية اخيها الامام الحسين ع , فانه اوصاها قائلا : (( اخية اني اقسمت فابري قسمي , لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور اذا انا هلكت )) الارشاد 2\94 ورواه الطبري

الادلة الناهية عن تطبير الرؤوس :
الاول : ان هذا العمل فية اضرار واضح بالنفس، كل اضرار بالنفس حرام، ويدل على ذلك العقل الذي يحكم بقبح ظلم النفس، وسيرة العقلاء المستقرة على ذم من يجرح نفسة ويدميها بغير سبب مشروع، وهكذا النصوص الكثيرة مثل ما ورد عن امامنا الباقر(ع))):ولكنة سبحانة خلق الخلق فعلم ما تقوم به ابدانهم فاحله لهم .. وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه )) الوسائل الباب 1 من الاطعمة المحرمة ح 1 )
وقد اتفق الفقهاء ( انه اذا خاف المكلف حصول الخشونة في الجلد وتششقه من استعمال الماء في الوضوء انتقل فرضه الى التيمم ولم يجز له الوضوء , مع انه اقل ضررا وايذاءا من شق الرؤوس بالمدى والسيوف )) ( التنزيه ص 28 ) , وقد تمسك بهذا الدليل الذي لن يسعنا الافاضة فيه كل من السيد الامين والسيد فضل الله وقد اعترف به الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء .
الثاني : ان هذا العمل لو افترضنا انه مباح بالعنوان الاولي ولكنه صار موجبا لوهن المذهب وهتك اتباعه ورميهم بالوحشية والتخلف فيحرم بالعنوان الثانوي وقد امرنا الائمة ع الا نفعل ما يسيء اليهم ( شيعتنا كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا ) وتمسك بهذا الدليل كثيرون من العلماء ( كالسادة الامين وفضل الله والخامنئي وهاشم معروف الحسني والشيخ مغنية و ... ) واقر اخرون بان هذا العمل لو كان موجبا للهتك والسخرية فهو محرم كالسيد الحكيم الذي افتى ( بانه لا مانع منها ان لم يكن فيها خوف الضرر ... ولم تكن موجبة للسخرية وتهييج عداوة الغير ) ( فتاوى العلماء في الشعائر 88 ) ونظير هذا الكلام قال السيد الخوئي ( المسائل الشرعية 2 \ 339 )
وطبيعي انَ صدق عنوان الهتك والتوهين او السخرية - كما عبر السيد الحكيم - لن يدركه الا من له اطلاع على اصداء المسألة في الواقع العالمي وما تعكسه وسائل الاعلام من ردود الفعل اتجاهها , وما تتركه من انطباعات سيئة في نفوس الاخرين عن اتباع اهل البيت عليهم السلام .

وممن افتى بحرمة ضرب الرؤوس :
السيد ابو الحسن الاصفهاني , السيد هبة الدين الشهرستاني , الشيخ عبد الكريم الجزائري والعلامة الشيخ محسن شرارة والسيد مهدي القزويني وغيرهم ( اعيان الشيعة 10\178 )
وقد اعترف الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه ( الفردوس الاعلى 21 ) بان مقتضى القواعد حرمة ادماء الرأس وان دافع عنه في بعض كتبه الاخرى .

وقد جمع الشيخ عبد النبي النشابة فتاوى الفقهاء المعاصرين القائلين بالحرمة في كتاب ( من فقه عاشوراء ) فتعدت الاربعين فتوى .

وفي الختام :
قال الشيخ محمد جواد مغنية مصورا موقف العلماء تجاه هذه العادة :
(( وعلماء الشيعة بكاملها دون استثناء ينكرونها اشد الانكار , واذا سكت عنها من سكت وغض الطرف , فانما يسكت خوفا من بعض العوام ... (( انما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين )) ال عمران 170 ( الاسلام مع الحياة 68 ) ))

تعليقات

‏قال غير معرف…
علي مطهر : بارك الله فيك أخي الابراهيمي لغيرتك على مباديء مذهب أهل البيت على عكس بعض الأخوة سامحهم الله أصحاب نظرية إلغاء الآخر تعصباً ولايتورعون من السب واللعن والقذف لسماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي(دام ظله)، وإنشاءالله هذه بداية النهاية لجميع الإنحرافات في الشعائر الحسينية لترقى لمستوى صاحبها من النبل والتقرب الى الله ،وأرجو من جميع الأخوة ألا يقصروا بمناصرة الشيخ اليعقوبي من خلال مناقشة المعارضين بالحكمة والموعظة الحسنة .
( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ )

بارك الله في عمرك وفكرك
‏قال غير معرف…
جزاكم الله خير ووفقتم لنصرة الإمام الحسين(عليه السلام)وجعلكم تعالى من انصارالطالبين بثأره لأن من سمات أنصار الإمام هو الوعي والإستعداد على المستوى الثقافي و النفسي كما وضح ذلك السيد الصدر(قده) بموسوعته و أطلب منكم نشر هذه الأفكار على شكل قصاصات لتوعية الأمة التي صارت تتبع الخطباء وتترك من وصى بهم الإمام المهدي(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)النواب من العلماء الرساليين أمثال سماحة المرجع اليعقوبي(دام ظله الوارف)وقد كنا نستغرب من الروايات التي تذكر أنه عند ظهور الإمام يحاربه بعض المتدينيين ويقولون له إرجع لاحاجة لنا بك فإن الدين لا زال قائماً، لوجدنا أن ..... يقفون بوجه سماحة الشيخ وبلا وعي ناسين أهداف ثورة الإما الحسين(عليه السلام)وهو الإصلاح

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الموسوعة المعلوماتية عن مدينة الناصرية .. مهد الحضارة ومنطلق الابداع

عين سورون ( عين الرب )

تداخل العوالم .. بين الادلة و النظريات