أنا واجدادي وقومي .. بين مدرستين



أنا واجدادي وقومي .. بين مدرستين




الثورة هي اللغة التي تحدث بها شيعة العراق لقرون ، لذلك هم يستشعرون اهميتها في حياة الانسان ، لاستنقاذ حقوقه . ويفهمون جيدا الانتفاضة الحقيقية من الانتفاضة التلاعبية .
ولاني ابن اقدم فروع هذه الشجرة الشيعية في العراق ، فقد استثارني ، بل ساءني ان يصفنا بعض ثوار المزاج وبني ساعة الغنائم بصفات لا ترتبط بنا وبتاريخنا بمقدار نفس واحد .  ورغم اني اعرف هؤلاء الناس وادرك اين يلعبون على الساحة الاجتماعية ، منذ قرأت ماكتبه ذلك النسابة النجدي ، الذي الف كتابا عن القبائل العربية ، لا ليسرد تاريخها ويصف امجادها ، بل ليذكر كم تمتلك من الخيالة والخيام وكم سقماني لديها ، ليهديه لصديقه الضابط البريطاني ، الذي اهداه لحكومته ، التي جائت بعد ذلك بجيوشها مستفيدة من تعاون امثال هؤلاء البدو .
لذلك صرت اتصور  هذه الجماعات امامي ، ورحت احدثهم .
لقرون طويلة لم نجد احدا مدافعا عن حقوق ابناء العراق حين سلبتها الدول المتسلطة او المتسلطون بالنيابة على مقدرات هذا البلد وهم غير منتفعين بغنيمة مادية او سلطة سوى مدرسة واحدة .
دخل اجدادي مدينة بغداد بطلب من الخليفة العباسي لحمايتها من احدى غزوات السلاجقة ، والذين انسحبوا حين سمعوا بذلك ولم يدخلوها ، ليبدأ تاريخ جديد صنعه الامير ورام بن ابي فراس وصدقة بن منصور . ورغم ان الرجلين سيطرا على بغداد حينها الا انهما لم يخونا عهدهما ويسقطا الخلافة والتي كانت بحكم الساقطة عمليا ، وخرجوا من بغداد عائدين الى بساتينهم في الحلة وكربلاء ، فيما كان الترك يعيثون بمقدرات الخلافة . والغرابة تكمن في ان هذه السلطة العباسية هي من قامت بمجازر رهيبة ضد الشيعة قبل تلك الاحداث بفترة يسيرة ، فلم يكن ظلم الدولة العباسية وميليشياتها المتحالفة معها عشائريا وتجاريا مبررا كافيا ليخرج اجدادي عن ثوب الاخلاق الذي ورثوه عن آبائهم ، او ثوب الدين الذي نحله لهم رسول الله وخاطه لهم علي بن ابي طالب .
وحين اشتعلت الفتنة في حواري بغداد ، واحرق الجاهليون بيوت علماء المذهب ، قرر اجدادي الا يعملوا السيف على رقاب مهترئة اساسا ، لانه سيف لا يخرج من غمده الا لمهمة ، فنقلوا حوزتهم الدينية وجامعتهم العلمية بين الحلة والنجف ، وتركوا بغداد لمعاهد غيرهم ، لكن هذا الغير شغله مدح الحاكم وممالئته عن التفكير بما فكر فيه اجدادي من المعرفة .
وحسب قرائتي الاولية لبعض المصادر فقد رأيت ان بني العباس حين صعقوا من خذلان الكروش التي نفخوها من العشائر الاموية لجأوا الى عرين اجدادي في كربلاء ، ثم توزعوا بين باقي مدن قومي ، خشية على عوائلهم من المغول وقبائل البدو الانتهازية ، ثم تحول القسم الكبير منهم الى التشيع ، اذ لم يمنع اجدادي تاريخ بني العباس من حفظ كرامتهم ورعاية جوارهم .
وبعد تاسيس اجدادي لحلفهم التاريخي الذي اقاموا على اساسه امارتهم ( المنتفك ) لم يجدوا بأسا ان يكون حاكمها من المذهب الاخر ، رغم انه لم يشكل فيها ديمغرافيا نسبة 1 % ، ولو مالوا عليه بخيولهم لازاحته ريح عدو الخيل عن سبيل ارادتهم . فيما ظلت راية اجدادي راية الامارة لعام كامل ، قبل ان يقرر اجدادي استيعاب القبائل الوافدة ، فغيروا ارقام المعادلة .
ورغم ان امارة اجدادي ارعبت بني عثمان شمالا وبني الخلجان جنوبا ، الا انها لم تعتد على احد منهما . لكنهما نظرا لها شزرا ، احدهما لقوتها العسكرية المهددة لنفوذه ، وآخر لما كانت تملك من خيرات ونعم ، لم تكن موجودة في عالم البداوة الذي كان يعيشه .
وحين لجأ والي بغداد الى اجدادي دخيلا وكان ان دخلوا بغداد مرة اخرى لاعادته الى كرسي الولاية ، لم يجعلوها مناسبة لاحتلال المدينة ، لسببين : انهم لا يستغلون ظرفا لتحقيق مآربهم ، وكذلك هم لم يجدوها تتفوق على ديارهم .
ثم ان بني عثمان ارادوا كسر شوكة اجدادي ، فغدروا كما رباهم فكر معاوية ، لكن اجدادي ابادوهم في منطقة الفضلية في الناصرية التابع لبطائح ذي قار ، وهو ذات المكان الذي اباد فيه اجدادي جيش الدولة الصفوية بالضبط ، حين قدم لاحتلال جنوب العراق ، لان الجيشين كانا غريبين عن هذه الارض ، رغم تجارتهما بالدين والمذاهب ، فلم تنطلي الخدعة على اجدادي .
وبالمناسبة فاتهامنا باننا صفويون غريب جدا ، لا لاننا اوضح الاصول العربية في العراق وحسب ، بل لان الصفويين اتراك ، يرتبطون نسبا مع الكثير من سكنة محافظات شمال وغرب ووسط العراق ، وكذلك هم تربية الفكر الاموي لقرون طويلة ، قبل انتمائهم الظاهري للمدرسة العلوية ، لذلك عانت منهم المدرسة العلوية في العراق لقرون لاحقة ، بسبب الترسبات الفكرية والسلوكية التي ورثوها من المدرسة الاموية ، ومن اهمها تبجيل الحاكم وتقديسه ، وايضا تصورهم للانتماء المذهبي على انه انتماء قومي ، لينعكس كل ذلك على السياسة ، فرأينا الصراع الدموي بينهم وبين شركائهم السابقين من بني عثمان ، الذين يحملون ذات الفكر . ونحن كشيعة عراقيين نعاني حتى هذه اللحظة في محاولة افهام ورثة والمنتمين لهذا الاتجاه الصفوي معنى التشيع العلوي الصحيح ، والذي هو عقيدة وعمل ، لا قومية وانتماء نسبي ، لكن يبدو ان التاثير الاموي المدمج بالموروثين التركي والفارسي ظل مسيطرا على فهم بعض هؤلاء .
وربما كان اغلب دعاة العروبة في العراق اليوم لازالوا حينذاك يسكنون صحراء نجد ، او قفار الشام ، حيث كانت اكبر هجرة لهم نحو العراق بعد سقوط دولة آل الرشيد في حائل بالسعودية الحالية ، من فترة قريبة جدا جدا قياسا بتاريخ اجدادي هنا ، فيما كانت هناك هجرات لقبائل اقرب من ذلك بكثير . وقد حملت هذه الهجرات الى العراق سلسلة من المشاكل التي تصاحب دائما ظواهر البداوة ، ولازال العراق حتى هذه اللحظة يئن تحت وطئتها .
رغم ان الامير الذي ارتضاه اجدادي لامارتهم - وهو ليس على مذهبهم ولازال احفاده يعيشون بيننا كاحدنا - اغتنم كل شيء له ولاهله وترك اجدادي ينشغلون بالقتال والدفاع عن هذه الارض ، الا انه طمع دون استشارتهم وبخدعة عثمانية بمنصب حكومي ، وهي العادة التي لا تزال تميز كل ابناء المدرسة الاموية وربائبها حيث الضعف امام السلطة الدنيوية المرتبطة بالحاكم باي صورة كانت ،لينزل بنفسه من امير العراق الى ( قائممقام ) ، مفاجئا بذلك اجدادي ، الذين خسروا بعدها نفوذهم ، لكنهم - كعادتهم - لم يثنهم ذلك عن رعاية العشرة والجوار ، فاستنقذوه عدة مرات من الموت المحقق ، على يد البدو من ابناء مذهبه .
تسببت هذه المواقف الانانية في استباحة العثمانيين لارض اجدادي ، وذبح ابنائهم وتشريد نسائهم واطفالهم ، الا ان هجوم الانكليز على ارض الاسلام انسى اجدادي جروحهم التي فتحها لهم بنو عثمان ، فحملوا السلاح وفتحوا جبهة الشعيبة ، وبعدها الناصرية ، ومن ثم وسط العراق وجنوبه جميعا ، لكنهم تفاجئوا ان الكثير من البدو كانوا ينتظرون ان تثخن الجراح اجدادي ليغيروا عليهم ويغنموا منهم خيراتهم .
وكذلك تفاجئ العثمانيون ان الوحيدين الذين حملوا السلاح الى جانبهم ضد عدوهم هم اجدادي ومن حمل فكرهم في الدول القريبة .فيما كان مع الانكليز موجات من قبائل البدو النجدية والحجازية والخليجية ، والتي تدعي اليوم اسلاميتها ، ودفاعها عن دين الله ! .
قاتل مع اجدادي آخر حكام ( المنتفك ) في معارك البصرة الاولى ، لكنه مات في اسطنبول ، فيما ظل اجدادي يموتون على هذه الارض ، لانها ارضهم ، وليس لهم غيرها ، كما انهم لم يعتادوا الهجرة .
قاتل اجداي في الناصرية طيلة 1919 لوحدهم ضد الانكليز ، دون ان يشاركهم احد ، حتى وان بالدعاء .
وتفاجئ قومي الذين عاشوا بثوب الفطرة النقي ان لبعض نتاج البداوة وجهين وعدة الوان ، ليروا ان ضباط الجيش العثماني من العرب هم من القى السلاح وخذل الكفاح وانتمى الى جبهة العدو . ومن زاوية اقبح فان ضباط البداوة وبعض التجار - الذين نفخهم خير بني عثمان الذي سلبوه من حقوق قومي - شكلوا جمعية ( العهد ) ، التي رفعت شعار التعاون مع المحتل الانكليزي والطعن بكل جهد وطني ، والاغرب ان رجال هذه الجمعية عاشوا في خارج العراق ، لان البلد كان يغلي دائما بحرارة الثورة ضد الاجنبي ، لذلك لم يكن لهذه الجمعية مكانا في ارض الواقع .
ولان قومي كان فيهم اهل المعرفة - من غير العسكر - فقد شكلوا جمعية تحمل هموم الوطن وتعمل للنهوض بحكم وطني ، وسموها جمعية ( الاستقلال ) . وهي جمعية ضمت شخصيات مثقفة ووطنية ، وكانت لها فروع عاملة في عموم العراق . الا ان عيب هذه الجمعية الوحيد هو رفعها لشعار الثورة ضد الانكليز ، والذي افقدها فيما بعد كل السلطة ، التي اغتنمها غيرهم من دعاة التعاون مع الاجنبي .
وعندما خسر اهلي المعركة غير المتكافئة مع الانكليز عسكريا ، استمروا في المقاومة المحلية لاحقا . لكنهم فوجئوا ان الاجنبي المحتل كان قد رتب الامر مع ( النقيب ) ، الذي وضع اسس الطائفية اللصوصية .
وحين قامت ثورة العشرين بسلاح عشائر اهلي ومن حالفها كان شيوخ العشائر الاخرى الحديثة العهد في بلادنا يمارسون سرا ذات الهواية التي اعتاد ممارستها شيوخ عشائر الخليج ، بمجالسة الاجانب ، واحتساء الخمر معهم ، ليعقدوا الاتفاقات التي ترسم معالم الخريطة السياسية والغنائمية في المستقبل .
واكلت الثورة الابناء والاخوان والخيرات ، لكنها لم تاكل ضمير اهلي . وحين فرضت بريطانيا - بخداعها - احد الغرباء اجتماعيا وفكريا ملكا على العراق لم يقاتله قومي ، بل قاتلوا الاجنبي فقط . الا ان هذا الملك لم يكن بدعا من العملاء ، فقد اعلن هو وامه بريطانيا بدء دولة الطائفة ، وعزل قومي تماما ، لانهم من مذهب آخر ، لا يؤمن بحاكمية الانكليز ، ورفع السلاح بوجههم .
ورغم ان قومي وافقوا على تسليم السلطة لمن لايدين بمذهبهم ، لانهم رأوا انه افضل من حاكمية الاجنبي المحتل لارضهم ، وقد قاسوا الوضع الجديد بتجربتهم التي امتدت لقرون مع امارة من يخالفهم في المذهب ، رغم انه الاضعف بينهم ، لكنه كان يشعر انه منهم ، لانهم اسمى العرب اخلاقا . غير ان قومي قد فاتهم ان تجربتهم السابقة مع حاكمية الاعراب لاتعني نجاح التجربة الجديدة ، لان الاعراب سابقا كانوا الاضعف وعلى ارض ليست لهم ، فكانوا رابحين ماديا ، حين عزوا بين قومي بعد ذل هوانهم بين قومهم ، فيما الحكام الجدد جاءوا تحت حراب الانكليز ، لذلك لن يخفوا حقيقة الاخلاق المتدنية الصحراوية القاحلة التي تربوا عليها . لذلك تسببت الخلافات القبلية في تخفيض حظوظ اهم المرشحين لحكم العراق ، شيخ بني اسد ، ليثبت لاحقا ان الامر دبر بليل . ومع ذلك ظل قومي بمدنهم وقبائلهم يراقبون سلوك الملك الجديد ومدى ارتباطه بمنظومة جيوش الاحتلال ، رافعين سلاحهم ، بانتظار ما تسوقه الايام .
استقدم الانكليز جمعية العهد - وليدة البداوة - من الخارج ، مكافأة لوقوفها معهم عند احتلال العراق ، وسلمتهم السلطة على طبق من عظام اهلي . واعلنت ان جمعية الاستقلال - علوية الانتماء - مطلوبة للمحاكمتين العسكرية والطائفية ، واخف حكم سيكون رحيما بانصارها هو التشريد ، او نيل العفو بالطاعة .
لكن قومي ظلوا يقاومون ، وبقيت اغلب مدنهم وقراهم ترفض الاعتراف بالدولة الجديدة المنسلخة عن الدولة العثمانية ، لا حبا بال عثمان الدكتاتوريين ، بل لانهم مسلمون ظاهرا .
والغريب ان اول فوج تم تشكيله للجيش العراقي في 21 كان تقريبا كله من عشائر تاثرت بفكر قومي في الجنوب من قريب ، فيما يجب ان يكون الضباط من البدو في مناطق اخرى ، والذين تعلموا في المدارس العثمانية التي انقلبوا عليها لاحقا .
واعتقد ان السبب في اختيار الجنود من الجنوب - غير استغلالهم وخداع العشائر لتهدئتها - هو الخشية من غلبة الروح الغنائمية والانتهازية للعشائر البدوية في المناطق الاخرى ، حيث كانت الحكومة تعرف جيدا نقاط الضعف التي يشكلها وجود البدو في الجيوش العربية ، فهم كما يذكر المؤرخون اول المنهزمين في معارك الامارات العربية التي كانت موجودة حينذاك ، كما انهم يغيرون على معسكر حلفائهم قبل الهزيمة حتى ،مما سيؤدي الى ضعف القوة العسكرية للجيش النظامي ، كما كانت  هذه القبائل غير الجنوبية لازالت تتحدث اللهجة النجدية - المنطقة التي جائت منها - ، وهي ستشكل حينها عائقا كبيرا امام تعليمها او فهمها .
لذلك كان الحل في اختيار جنود من قبائل لازالت تحمل روح البداوة المادية الغنائمية ، بشكل كافي لاغرائها بالتعاون مع الحكومة ، لكنها متاثرة بقبائل جنوب العراق الى درجة تجعلها تحترم عهودها ، وهي حالة كانت متوفرة حينها بكثرة ، بعد تشيع العديد من القبائل النجدية ، التي هاجرت الى العراق لاسباب اقتصادية او اجتماعية او سياسية . ولازال الازدواج في المفاهيم والسلوكيات والمعتقدات والاراء يحكم هذا النوع من القبائل حتى اليوم في عموم العراق ، فهي قد تعلمت لغة المدنية والثورة ورفض الظلم من القبائل العراقية الاصلية ، لكنها تخضع للماديات والاغراءات والتهديدات في احيان كثيرة . والامر هنا ليس على النحو الفردي ، فالحالات الشاذة موجودة في الجهتين باستمرار ، خصوصا مع تغير عوامل التربية واختلاف القيم خلال مئة سنة ، لكن انا اقصد وجود هذا الامر على نحو الظاهرة الاجتماعية .
عقدت عشائر قومي وحلفائها مؤتمر كربلاء 1924 ، لرفض خضوع الملك للهيمنة البريطانية ، فسارعت عشائر البدو (  التي كان زعمائها يستلمون راتبا شهريا من بريطانيا  ) لعقد مؤتمر الحلة ، الموالي للملك وبريطانيا ، وسلموا عريضتهم الرافضة لمبادئ مؤتمر كربلاء الوطنية بيد شيخ الدليم ( علي السليمان ) الى المندوب السامي البريطاني ، يعلنون فيها حثهم الملك على العمل اكثر من اجل التاج البريطاني ، لكن المندوب السامي شعر بالخجل اكثر منهم ، ورأى انهم بالغوا بموقفهم ، وجازفوا بسمعتهم العشائرية ، فدعاهم للاكتفاء بشجب مؤتمر كربلاء الوطني شفهيا ..
اما قبيلتي التي تمتد من الحلة الى كربلاء والنجف ثم الناصرية والبصرة فقد استمرت بالثورة ، ولم يعترف اميرها بالواقع السياسي الجديد حتى وفاته سنة 1954 . كما انه رفض مصافحة الملك حين حاول استمالته بزيارته في الناصرية ، وارسل الامير ابنه ليقول للملك : ان ابي يرفض مصافحة اليد التي صافحت الاجنبي . وبالطبع في هذه الاثناء كان ابناء البداوة قد استلموا السلطة في عموم البلاد بحماية البريطانيين . وطبعا كانت امارات العربان في الخليج في هذه الفترة تتسابق في تقبيل اليد البريطانية وكل يد اجنبية ، للحصول على فتات ما ترميه هذه الايادي ، لتنقذ نفسها من واقع البداوة والتشرد والتصحر الفكري والطبيعي ، حتى استمر تعيين امراء هذه المشيخات الخليجية الى زمن السبعينات بامر ملكي مباشر من انكلترا ، كما جرى بوضوح في البحرين ( الديمقراطية ) .
ونتيجة لهذه اللعبة الطائفية الجديدة ، وبعد سيطرة البدو على حكم العراق بحماية الانكليز - كالعادة العروبية - ، انخفض نسبة تجار العراق من الشيعة من 80% الى 40% من سنة 1920 الى سنة 1939 ، وهذا يستتبع اوتوماتيكيا انخفاض قدرة الشيعة على بناء المؤسسات التجارية والصناعية والزراعية والقدرة على تعليم ابنائهم ، مما ادى الى حدوث كارثة اقتصادية كبيرة استمرت لعقود تلتاك قومي وذراريهم ، كعقوبة مستمرة على مواقفهم في حماية بلدهم ، ولمعرفة بريطانيا باستحالة جذبهم الى حظيرتها ، لاسباب تتعلق ببنائهم الفكري والاجتماعي والتاريخي .
عندما انشغل قومي بالدفاع عن ارضهم التي استوطنوها وعمروها لالاف السنين ، كان هناك ما يجري خلف كواليس المجتمع الظاهري ، لعبة من التوافقات الفكرية والسلوكية ، حين استشعر سياسيو البداوة الجديدة ان قومي لن يتركوا مبادئهم ، لانهم ابناء المدرسة العلوية منذ نشوئها ، كانوا بحاجة الى رؤوس تحمل شعار قومي ، لكنها ليست قديمة الوجود على هذه الارض ، وكذلك كانت ترتبط بالمدرسة الاموية لقرون ، فرأوا ان يسمحوا للفكر الصفوي بالتغلغل في ارض قومي ، ولانه كان يرتدي ذات القميص الظاهري لقومي فسيجد له موطئ قدم ، وهذا الموطئ كاف في ازاحة الفكر العلوي ، واستبداله بالفهم الصفوي للتشيع ، وهو ما يناسب الدولة الطائفية العراقية البدوية البريطانية الجديدة ، حيث ضرب عصفورين بحجر واحد ، ازاحة الموروث العلوي للعراق - الفهم العراقي للتشيع - و ايجاد المقابل المناسب للبعد الطائفي الجديد في السلطة .
وكما هي الروح البدوية الغنائمية الانتهازية ، فقد تصارع الطائفيون الحاكمون على العراق البريطاني ، لتسقط حكومات ، ثم تسقط انظمة ، قتل للملوك والامراء العسكر ، للرؤساء العسكر ، للرفاق المناضلين العسكر ، وكلهم ابناء ذات الطائفة ، وفي كثير من الاحيان ابناء ذات المؤامرة الحزبية الطائفية العسكرية .
وبالطبع فان قومي هم من كان يتبنى منهج التغيير الثوري ( الشعبي ) ، لاستبدال هذه الدوامة الطائفية الغنائمية بدولة مستقرة توافقية ، دون ان يكون ( ثوار اليوم ) جزءا من ثورة الشعب حينها ، لانهم كانوا اداة في آلة الظالم .
وحين يكون للشيعة وجود في هذه الاحداث النضالية فسيكون مرتبطا باستغلالهم كبناة واصحاب شهادات علمية ، ثم اعدامهم كخونة عملاء للمجهول ! ، بعد ان يكون البدو قد تدربوا تحت ايديهم ، وعرفوا نحو 30 % من العمل المهني ، فيصبحون جاهزين لاخذ مكان هؤلاء ، وملأ ال 70% الباقية بروح البداوة والعسكرية . واحداث السبعينات البعثية ليست ببعيدة ، والتي تم فيها اعدام الكثير من البعثيين الشيعة ، رغم انهم كانوا هم حملة الشهادات في الحزب العفلقي البغيض ، وهم من جعله حزبا يمتلك اسس التنظير ، بعد ان تم خداعهم بشعاراته القومية والاصلاحية . ولازلت اتذكر مؤسس هيئة التصنيع العسكري ، الذي تم اسقاط طائرته بعاصفة هوجاء ، ليتسلم قاتله منصبه منذ 1986 ، لكن قاتله لم يسلم من ( حوبة الاطفال ) فتم قتله هو واسرته في التسعينات بغزوة الغضب العشائري .
وكاي فصيلة لا تملك تاريخ قام صدام ونظامه بسرقة تاريخ قومي ، ليغطي به عورة الاعراب ، فكتب عبيده تحت وطأة الخمر تأريخا جديدا للعراق ، لكن دون مستندات ووثائق ، تم ضخه عبر آلة الفرض الحديدي ، حتى انهم في فضيحة قبيحة ارادوا سرقة ثورة العشرين ، التي هي جزء من تاريخ اهلي ، واثر من هويتنا ، لكنهم عانوا كثيرا في ذلك ، فالاربعة عشر رجلا الذين اصدروا بيان الثورة بمرجعهم كلهم من قومي ، والعشائر الكبرى التي قاتلت كانت عشائر قومي ، والجبهات كانت على ارض قومي ، والشهداء من قومي ، والذين تمت معاقبتهم هم سياسيون من قومي ، والذين حرمتهم بريطانيا من حقوقهم الوطنية هم قومي فقط ، لكن البعث صنع فلما سينمائيا خياليا باسم ( المسألة الكبرى ) مزج فيه بين بدوي مات في السجن ، بعد ان خذله الاعراب ، الذين خرجوا معه للحصول على الغنائم تحت ستار الثوار من قومي ، وبين ثائر هو ( شعلان ابو الجون ) ، الذي ابى قومي الا ان يخرجوه من سجنه ، ببسالة لم يعرفها الاعراب ، وعند عرض الفلم على احفاد ابو الجون هتفوا ينادونه ان الثورة قد سرقت فافتح قبرك وانهض . واتماما لهذه السرقة تخلو كتب العراق المدرسية تماما من اي ذكر لمعارك الثوار ضد البريطانيين ، لانها ستكشف عورة الاعراب ، حيث لا مؤثرات سينمائية ، فكان الحل مسح ذلك التاريخ من الذاكرة العراقية . وهو ما يمثل ارضية ايضا لاتهام قومي مستقبلا بما جبل عليه الاعراب من الخطايا .
وفي الحرب العراقية الايرانية ، التي خاضها العراق نيابة عن اعداء المستقبل من امريكان وخليجيين ، كانت الجبهات تغص بالشيعة المغرر بهم ، والشيعة المجبرين ، والشيعة الذين تنتظرهم فرق الاعدامات في مختلف الطرقات ، او ترتهن الدولة عوائلهم وعيشهم . وكان محور المعركة قائم على سلاحهم واقدامهم وخبرتهم القتالية الميدانية . فيما كان ضباط البداوة يرتشفون الخمور في القواطع الخلفية ، ويقيمون حفلات الرقص والمجون ، بعد كل وجبة موتى من الجانبين الايراني والعراقي . وتكفي احصائية بسيطة لضحايا الحرب العراقية الايرانية لمعرفة من هم الضحايا فيها ، ومن هم الذين اتخذوها مغنما باسم العروبة ، التي دفعوا الشيعة كقرابين لها .
وعندما غزا صدام اللعين حلفائه السابقين وجيرانه الكويتيين ، وبعد الحصار المميت الذي طال ابناء الشعب العراقي ، ثم الدمار التام الذي اصاب العراق ، في كل نواحيه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية ، بسبب خلاف صدام مع اصدقاء سابقين ، كان يقاتل باسمهم ، وعلى يد اصدقاء سابقين ايضا ، قرر قومي ان صدام يجب ان يتحمل خطأه وان يزول عن السلطة ، بعد هذه المطحنة التي طحن بها العراقيين ، فثاروا على الطغيان والدكتاتورية العسكرية العائلية الطائفية ، وكان الواجب على من يحب العراق ان يشاركهم ثورة 1991 ، المسماة بالانتفاضة الشعبانية ، الا ان الثورة اثبتت ان البدو هناك طائفيون حد الخنوع .
وفيما اسقط سراة قومي 14 محافظة ، سمحت الولايات المتحدة ( حليفة الشيعة كما يزعم مفكرو البداوة اليوم ) لصدام باستخدام الطائرات لمدة اسبوعين ، في المنطقة المحصورة بين بغداد والبصرة حصرا ، رغم ان الطيران كان محظورا في عموم العراق والاجواء العراقية تحت السيطرة الغربية تماما ، ولكن دون السماح للطيران بالتحليق في اجواء كردستان ، رغم انها ثائرة ايضا ! .
وبالتعاون مع الامريكان ، وباستخدام افواج منظمة ( مجاهدي خلق الايرانية الصفوية ! ) ومجاميع البدو التي تدربت باموال جنوب العراق في الخارج ، وبقصف من الطيران العسكري بشكل مكثف ، تم سحق انتفاضة اهلي ، ليستقر البدو على كرسي العار والخنوع .
ولنكتشف بعدها ان الاسلحة الامريكية ذات الاشعاعات الخطيرة ، والمسببة للامراض السرطانية ، لم تستخدم الا في جنوب العراق ( الصفوي العميل لامريكا ! ) ، فيما مناطق العراق الاخرى كانت تغص ببحيرات الاسماك و( المزارع السعيدة ) ، حتى تم نقل الاهوار اليها بمعجزة تاريخية .
وفي خضم هذه الاحداث الثورية العروبية كان قومي فقط هم من يئنون من الجوع والخراب والامراض ، التي انتجها الحصار الغربي على ( النظام الدكتاتوري ) في العراق ، والذي كان سعيدا جدا لهذا الحصار ، الذي صمد فيه ابطال العروبة ، حتى انهم قللوا من اكتراع الخمر من خزانين الى خزان امريكي مستورد واحد ، في ذات الوقت الذي كان فيه الشيعة ( الصفويون ) في الجنوب ينتظرون في طوابير طويلة من اجل حصة الطحين ، التي يبيعون نصفها لتسديد ثمن النصف الاخر .
ليكتشف قومي لاحقا ان الاسلحة الامريكية ذات التأثير المشع واليورانيوم المنضب لم تستخدمها القوات الاجنبية الاعرابية ( الانسانية ) الا في جنوب العراق ، حيث يسكن قومي ، لتنتشر الامراض الخبيثة والتشوهات الجنينية ، التي تسببت بها الاشعاعات في اهلي دون غيرهم .
لكن الاعراب لم يكتفوا بهذه المحنة التي حلت بقومي ، كيف وهم تربوا بين البداوة والبعث ! ، فعمدوا الى اخس فعل ، فقاموا - فيما قاموا - بدمج مواد تسبب الاعاقة الجسدية ، سيما امراض المفاصل ، في مفردات الحصة التموينية ، التي لم يجد قومي سواها غذاءا ، وهذا هو بعض ما اعترفت به ( العالمة ) هدى صالح مهدي عماش .
وابتكر اعراب العراق فكرة جديدة تقوم على تقطير الغذاء في وريد من يبيع دينه وضميره وينتمي لحزب البعث ، او من تبيع شرفها وتعمل ك( قوادة ) للرفاق من نساء الجنوب الجائعات ، في اخس مرحلة شهدها العراق في تأريخه ، بسبب وجود هؤلاء الاعراب على كرسي السلطة .
وانتفض قومي من جديد عندما فكوا ارتباطهم بالمرجعيات غير العراقية ، عندما قادهم قائد علوي جديد واعي ، هو السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر ، لكنهم واجهوا تعاونا متوقعا بين الفكر الصفوي في الوسط الشيعي الديني وفكر البداوة المتصحر في السلطة ، وبتعاون المنهجين تم اغتيال هذه النهضة الاصلاحية السلمية .
لكن مع ذلك فالجهة الوحيدة التي وافقت على مساعدة العراق في محنته الاقتصادية هي ايران ، بينما عاشت الاردن احلى ايام استغلال العراق لبناء دولتها مقابل فتح طرقها - التي عبدها العراق ذاته - امام التجارة العراقية ، باجور عالية ، رغم اعطاء نفط العراق لها باسعار تفضيلية منخفضة جدا ، فيما كانت باقي دول الاعراب تعيش اجمل لحظات الشماتة بما آل اليه وضع العراق ، وعلى رأسهم من يتحالف معهم قادة الطائفية ، كقطر والخليج عموما .
وكان مجرد الانتماء لحزب البعث في جنوب العراق يعني ان المنتمي اليه منحرف ، ويدخل دائرة النبذ الاجتماعي ، مهما بلغ اجتماعيا ، لان هذا الحزب ثبت بما لا يقبل ادنى مراحل التشكيك انه حزب دموي مجرم يسند نظام قمعي دكتاتوري استبدادي ، ولعل المقابر الجماعية التي شهدتها فترة التسعينات والتي ضمت الالاف من ابناء العراق المظلومين وقد تم دفن اكثرهم احياءا تعد من اهم الادلة على تلك الفاشية البعثية الصدامية ، بينما كان الانتماء لحزب البعث الصدامي يكسب صاحبه مكانة اجتماعية كبيرة في مناطق الاعراب ، وليس ذلك بغريب ، فهؤلاء الاعراب لم يكن لهم في يوم من الايام مشروع انساني او مبدأ للحريات ، ولم يكن لهم وعي سياسي خارج اطار السلطة والحاكم ، ولم ينبهروا سوى باللباس العسكري ، الذي كان ينقلون من خلاله روح السلب البدوية .
ولما ارادت السلطة اعادة جزء من بنيتها التحتية لم تجد سوى كفاءات قومي ، لكنها وضعتهم تحت رقابة دائمة من كفاءات ( العسكر ) البدوية . فكان قومي يعملون ، وكان غيرهم يرتقي المناصب ويصرح للاعلام . ولان العسكر من البدو صاروا يشرفون على عمل الكفاءات فقد تم الغاء مبدأ الثواب المعمول به عالميا لتحفيز العاملين في المؤسسات الانتاجية ، واستبداله بمسلك العقاب ، والذي تم استغلاله بصورة سيئة جدا . لذلك لم يكن من المستغرب ان تصبح جميع مؤسسات الدولة عدوا للعاملين فيها ، فصاروا يرونها جزءا من نظام الاستبداد المتسلط على رقابهم ، فاصبحوا فاقدين لاهم عوامل نجاح المؤسسات الحكومية وهي الرؤية الوطنية . ساعدت في تفشي هذا الشعور مجموعة من الضغوطات المعيشية التي فرضها عليهم نظام القمع البعثي الصدامي ، وتفشي ظواهر المحسوبية والتلاعب بالمقدرات والقوانين .
وكانت روابط عروبة الاعراب المدعاة قد تفتت واصبحت هباءا منثورا ، لان القائد العروبي صدام هاجم الدولة العروبية الشقيقة الكويت ، فقامت الدول العروبية الشقيقة في الخليج وبالتعاون من الدول العروبية الشقيقة في الوطن العربي بجلب كل قوات الاعداء الاصدقاء ، من جميع دول العالم ، سيما الدول الاستعمارية الكبرى ، وبالتعاون مع تركيا الرمز الاسلامي المعاصر . فباع ابو عمار وكوادره العروبية فلسطين ، بمباركة اعراب الخليج والمغرب العربي ، وقرر الاعراب فتح سفارات للعدو المفترض اعلاميا ( اسرائيل ) ، ولم يبق ضد هذا العدو سوى قومي او من تأثر بفكرهم من الصفويين ، كما يحب الاعراب ان يعبروا .
وصارت امريكا عدوة لابطال العروبة الورقية في العراق ، وبنفس الوقت صديقة لابطال العروبة الاخرين في جامعة الدول العربية ، والذين يستنجد بنخوتهم العروبية البعض ، املا في نظرة عطف عروبية بنكهة امريكية .
واصبحت القواعد العسكرية الامريكية متواجدة في كل دول المنطقة ، العربية والاسلامية ، سوى الدول التي تدين بفكر علي بن ابي طالب . لكن كان اعلام هذه الدول يتكلم عن المؤامرات التي تحاك في الغرب على العروبة والوحدة البدوية الاسلامية ، في تناقض لا يليق الا بتاريخ هؤلاء .
فيما لم يستطع اعراب العراق ان ينصحوا زعيمهم الملهم صدام بالابتعاد عن رعونته المعهودة ، والتي دمرت العراق وارجعته مئات السنين الى الوراء تقنيا ، ربما لانهم حينها لم يكونوا يملكون ساحات للعزة والكرامة ! . فراح صدام بعنجهيته يهدد وجود الدولة العراقية ، بكل مواطنيها ، حيث كانت القوى الكبرى قد هزمت الجيش العراقي بعنفوان قوته ، فكيف ستفعل بهذا الجيش وهو منهار ضعيف ! .
بالمقابل كان الاعراب يعملون جميعا كضباط في جيش ليست له وظيفة الا قمع كل من ينتفض على نظام الطاغية صدام ، بل وصل الامر الى قمع حتى من لم ينتفض ، فاحرقوا القرى والمدن ، وهجروا ابنائها ، وسجنوا النساء بجريرة الرجال ، واعتقلوا الاطفال حتى يسلم الكبار انفسهم ، وكان قانونهم المجرم العملي يقضي بهدم اثني عشرة بيت اذا انتفض قربهن بيت واحد ، دون ان يكونوا شركاء في الذنب جعلوهم شركاء في العقوبة .
كما شهد العراق بروز ظاهرة اجرامية غريبة على يد نظام البعث الصدامي القمعي ، بقطع الاذن واليد ، لكل عراقي يحاول الهروب من مؤسساتهم الامنية والعسكرية الدموية ، لاسباب منطقية وواضحة تتعلق بطبيعة تلك المؤسسات الاجرامية ، كما ترتبط بالحالة المزرية للجنود البسطاء ، الذين لا يملكون من المال ما يسمح لهم بالوصول الى مقراتهم العسكرية ، فضلا عن اموال يمكن ان يعطوها لعوائلهم ، فسمح بعضهم لنساءه بالعمل لسد جوع عياله واطفاله ، فيما لم يتحمل آخرون ذلك ، لحميتهم وغيرتهم ، فقرروا ان يتركوا الخدمة العسكرية ويجدوا عملا يسد رمق عوائلهم ، فقرر نظام البعث المجرم ان يتم قطع الآذان والايدي لكل من يترك الخدمة العسكرية او يتوجه بالنقد لشخصيات العائلة الحاكمة ، وقد اوكلت المهمة الاخيرة لميليشيات قمعية مجرمة اسسها ابن المقبور صدام ( صاحب الغريزة الحيوانية ) باسم ( فدائيي صدام ) ، وحينها لم نكن نسمع ان للاعراب رجال دين او شيوخ عشائر ، فضلا عن انتظار اي اعتراض منهم على ممارسات الوحوش الشيطانية ضد مساكين الشعب العراقي المظلوم آنذاك ، لكننا كنا نسمع بشهادات الدكتوراه التي تمنح جامعاتهم الدينية عن ( فكر القائد وحكمته وحملاته الايمانية ) ، مع سماعنا المستمر بحفلاتهم الماجنة ولياليهم الحمراء في العراق او في خارجه ، خصوصا بعد كل عمل مقاولاتي يعطيهم اياه نظام البعث ، مكافأة لهم على فكرهم الاعرابي القاحل .
وفي اكبر جريمة شهدها التأريخ الطبيعي للعراق قام الاعراب بتجفيف اكبر تجمع مائي في جنوب العراقي ، المتمثل باهوار العراق ، التي ارتبطت حضارة العراق باسمها ، ودمرت تجمعات سكانية مهولة ، وقتلت الاف الحيوانات ، وحولت المنطقة التي تسمى فينسيا العراق الى ارض جرداء ، لا تتناسب الا مع العقل المتصحر للاعراب .
فيما نقل نظام الطاغوت البعثي العفلقي مجاميع الاعراب من عصر جمع القوت بالالتقاط الى عصر البساتين والقصور والشركات ، لكنه بالمقابل دفع قومي من مكانهم كمالكين لهذه الارض ، الى فلاحين في اراضي تم تمليكها للاعراب ، ليقع ابناء صناع تاريخ العراق من قومي - بتاثير الجوع والارهاب - تحت وطأة اخس لحظات تسلط الاعراب ، حيث عانوا من نفوس بدوية ، لم تعرف معنى لكرامة الانسان ، ولم تدرك قيمة احترام اعراض الناس .
وليجبر نظام صدام والبعث قومي على ما جرى عليهم لاحقا فقد قام بابشع جرائمه ضد الطبيعة ، حيث جفف انهارا كاملة ، وشق مجاري البزل على اراضي قومي لتخريبها ، فمدينتي لم يصل الماء الى مجرى نهرها لسبع سنين عجاف ، فيما كان ماء الشرب القليل اصفر اللون عفن الرائحة ، بعفونة جرائم الاعراب .
ورغم الانتفاضات المتكررة والتحركات المعارضة المستمرة ضد هذا النظام المتخلف التي سار عليها قومي ، ولم يشاركهم فيها الا الاكراد ، منذ 1991 حتى سقوط نظام العفن البعثي ، الا ان الاعراب ظلوا جزءا رئيسيا في آلة القمع ، واستمروا يعضدون نظاما اهلك الحرث والنسل .
فراح النظام العروبي في سفالة نفس يسلط المنحطين ورعاع الناس والساقطات على مقدرات عيش الكريم وذي الحسب واهل المروءة ، فصارت حكومة الاعراب تضيق العيش على وجهاء الناس واهل الرأي والنخوة فيهم ، او تعتقلهم او ابنائهم ، ولا تفرج عنهم الا بتوسط ساقطة او بعثي منحط الاخلاق ، في سياسة مقصودة للنزول بمستوى الاخلاق العامة والنظام الاجتماعي الذي تربى عليه ابناء العراق الاصلاء من قومي الى مستوى لا يألفه الا سفلة البعث .
حتى بات التهديد بسقوط الصنم الصدامي والطاغوت البعثي واضحا ، فلم يلتفت النظام الى شعب العراق ليكسب وده ، حيث استمر على عنجهية البداوة ، لكنه قام وفي خطوة تكشف مدى انحطاط فكره وتدني سلوكه باطلاق سراح عتاة المجرمين من السجون ، بعفو عام ، كان الهدف منه اشغال المجتمع العراقي بهؤلاء المجرمين ، وتمهيدا لاكبر عملية نهب منظمة ، كان القصد منها الا تبقى للدولة مؤسسات اذا سقط النظام نفسه ، لانه يدرك مدى المستوى الديني الذي بلغه المجتمع العراقي بعد نهضة السيد الشهيد الصدر الثاني قدس سره .
وعند وصول امن العراق وتهديده الى عنق الزجاجة ، وبعد هذا الظلم والاجحاف ، كان قومي امام ثلاث خيارات : نصرة الظالم رقم 1 ، او نصرة الظالم رقم 2 ، او ترك الظالمين يعض بعضهم بعضا ، فرأوا ان صدام كلب امريكا ، وقد صار يعض صاحبه ، فجاء صاحبه ليؤدبه ، فتركوا الكلب وسيده . واعتقد ان توضيح كيف كان صدام كلبا لامريكا غير مطلوب الا من اصحاب العقول البليدة ، خصوصا بعد سلسلة الافلام الوثائقية والكتب التي شرحت ذلك ، والمجموعة الكبيرة من شهادات ضباط المخابرات الامريكية المسجلة ، وهي اليوم منشورة في الكثير من مواقع توثيق الاحداث التاريخية على الشبكة الدولية .
فأتت قوات اصدقاء العروبة من الامريكان وحلفائهم من كل حدب عربي ينسلون ، حيث فتحت لهم قوى العروبة في الخليج وقوى الاسلاموية في تركيا - التي يستنجد بظل وجودها العالي اعراب الساحات -  ابوابها وقواعدها لغزو العراق ، فلم يجد هؤلاء مقاومة في كل مدينة او ارض عليها اعراب توالي صدام ونظامه ، ولم يستغرق الامريكان سوى ساعتين في الوصول الى بغداد قادمين من الشمال عبر الاراضي التي تعتبر حواضن للقاعدة اليوم ، فيما سقطت بغداد ولم تسقط البصرة ، التي هي اول مدينة في مواجهة الامريكان من جنوب العراق عند دخولهم من الكويت ، وكذلك لم يستطع الامريكان ان يعبروا مدينة الناصرية الا بعد مرور 14 يوما ، رغم ان من قاتلهم هناك لم يكونوا سوى الذين نبذهم مجتمع قومي من سفلة الناس .
نعم عقد شيوخ الاعراب اتفاقاتهم مع القوات الامريكية الغازية ، بصورة علنية ، وبدأت عروض الولائم المشتركة مع القوات الغازية ، في استعادة من الاحفاد لتأريخ الاجداد ، في حين كان مجتمع الجنوب يشهد غليانا كبيرا ضد اشخاص قلائل عاديين كانوا يشكلون مجالس بلدية اراد الامريكان الاشراف على تأسيسها ، حتى اضطر قادتها الى الاستقالة .
كما شهدت بغداد اول تظاهرة للمطالبة بتسليم الحكم للعراقيين عبر نظام ديمقراطي سنة 2003 ، دون ان يكون للاعراب دورا فيها ، لانهم كانوا لا يعرفون ما هي الديمقراطية اساسا .
وكان جميع الاعراب يتوقعون حملة ثأرية من قومي ، تبيدهم وتجعلهم اثرا بعد عين ، فالتزموا بيوتهم لشهرين اثنين دون حراك ، لكنهم تفاجأوا بخلق لم يتربوا عليه ، العفو عند المقدرة ، فرفضت المرجعية الدينية لقومي المس باي شخص دون محاكمة ، فانبهر قادة الاعراب بهذه المفاجأة ، حتى صرح ابرز قادتهم ومن ارض النجف لشكر المرجعية  بان ما حدث كان ( معجزة ) .
لكن الاعراب ليس من مصطلحاتهم التعاون مع الاخر و شكر المنعم ، فراح العدد الهائل من ضباط الاعراب في جيش صدام البائد ، لان الرتب العسكرية كانت محصورة فيهم ، في تمييز عنصري لا يجيده الا الاعراب  ، راح هؤلاء بالتعاون مع خلايا القاعدة التي جاء بها صدام قبل سقوطه ، وبدفع من مخابرات الدول الاعرابية ، الى التحضير الى اكبر مشروع دموي في المنطقة ، مستغلين حواضن النواصب في مناطقهم ، وحنق الادارة الامريكية على مواقف الرفض التي اعلنها قومي ضدهم .
وبدأ المشروع الدموي بالذبح والخطف وقطع الطرق وتفجير الاسواق والمساجد وغيرها ، في اكبر عملية تخريب يشهدها التاريخ . بارك ساسة الاعراب هذه المجازر ، لانهم رأوا حلما من طرف قومي لم يتعودوه في بيئتهم الانتهازية ، ممزوجا بضعف القيادات التي فرضتها امريكا باسم قومي زورا ، وكذلك دخل هؤلاء الساسة الاعراب مزاد الذبح العروبي لشيعة العراق ، والذي فتح دكاكينه في صحاري العقول الخليجية ، فاغتنى ساسة الاعراب فوق ثروتهم ، بما يحقق لهم احلامهم الحمراء ليلا ونهارا .
ولازال هذا الحلف الصحراوي يرفض السماح لعراق لا يرتبط بصحرائهم ان ينهض ، يطالبون بعودة نظام كانوا يحاصرون شعب العراق باسم اجرامه ! .
ان قومي ...
الى الان لم يضعوا سلاحهم الى الارض ، حاملينه بوجه كل اجنبي ، حيث لا قواعد عسكرية لعدو او صديق في اراضيهم .
الى الان اثبتوا انهم اكثر الناس انضباطا واحتراما لاعراض الناس .
الى الان هم الوحيدون الذي يتعايشون بتسامح وسلام مع الاقليات التي تخالفهم في المعتقد ، فمدن تصل فيها نسبتهم الى 99 % لازال يعيش فيها من خالفهم معززا مكرما محترم النفس والعرض والمال ، فيما لا يمكن لقومي ان يمروا في اراضي يشغلها غيرهم بسلام ، حتى النساء والاطفال .
الى الان هم من يدعم منظمات ومؤسسات مخالفيهم التي تقارع الظالم ماديا ومعنويا ، فيما يمتنع الاخرون عن اظهار قارئ للقرآن من قومي في وسائل اعلامهم .
الى الان هم الوحيدون الذي دعموا ثورات مخالفيهم ضد الحكام الظلمة ، والتي حملت السلاح ، رغم تواجد الكثير ممن يرى كفر قومي داخل هذه الثورات ، ورغم ان الاخر المخالف لازال محاربا للثورة السلمية الوحيدة لقومي في البحرين .
الى الان ثورة قومي في البحرين هي الوحيدة التي لم تحمل السلاح ولم تحمل راية قديمة او جديدة تخالف راية بلادها وهي الوحيدة التي لم تستعن بالاجنبي او بسلاحه ، لا بل ان الحاكم هو من يستقني بذات الاجنبي الذي استقوت به ثورات الشعوب الاخرى على حكامها ! . وهي الثورة الوحيدة التي دخل الاعراب بعسكرهم ضدها ونصرة للحاكم القزم .
الى الان فان قومي لم يستخدموا سياسة قطع الارزاق التي يستخدمها حكام الاعراب للضغط على مؤسسات قومي المقاومة او الرافضة للاستكبار والاستحمار ، عبر تهجير كل من يمت الى قومي بصلة ، رغم انهم من حول صحراء العقول والارض في امارات العربان الى دول متمدنة .
الى الان لم يسمح قومي باستقبال حاكم ظالم ، نبذه شعبه ، كما فعلت ممالك العربان ، التي يدين بفكرها ذات الشعوب الثائرة ، في اغرب ازدواجية عرفتها البشرية من الحكام والشعوب ! .
الى الان لم يتنازل قومي عن فلسطين ، رغم تنازل كل الاعراب عنها ، ورغم تنازل الكثير من اهلها عنها ، ورغم المواقف العدائية من بعض اهلها تجاه قومي ، الذين لازالو يرفدونها بالمال والسلاح رغم ذلك ، فاي سمو اعلى من هذا .
الى الان .. البلاد الوحيدة التي لا يوجد فيها سفارة او قنصلية او مكتب لاسرائيل وشركاتها هي البلاد التي يكون الشيعة فيها قوة كبيرة .
الى الان .. لم يعش قومية ازدواجية النفاق ، بفتح علاقات مع اسرائيل وقيادة الناس تحت شعار عداوتها .
الى الان لم يستقو الالاف من قومي على افراد قلائل من مخالفيهم في ديار قومي ، ولم يضربوهم حتى الموت ويسحلوهم بالشوارع ويمثلوا بجثثهم ، كما فعل الاخرون بالمستضعفين ممن تاثر بفكر قومي ، وتحت غطاء السلطة وقواتها في ابشع صور غياب الانسانية .
الى الان ظل قومي هم السند لكل مقاوم وكل غيور على ارضه وعرضه ، ولم يحيكوا المؤامرات ضد مؤسسات المقاومة بالشكل الذي يكون اول ضحاياه هي اوطانهم ذاتها ، كما فعل المخالفون لهم .
نعم ، يكون هناك شواذ في كل مجتمع تخلقهم الظروف ، لكن المشكلة ان يتحول الشواذ الى اغلبية ، تنتج فكرا مشوها ، يكون هو الحاكم على العقول ، وهذا ما لايمكن ان يكون في مجتمع قومي واهلي ، حتى وان ظهر لفترة بفعل خارجي او كردة فعل .
ان استغاثة رجال دين بامريكا وحلفائها ، واستعدائهم على محبي اهل البيت ، كما فعل خطيب في متظاهري الموصل او كما فعل زعيم ديني مؤثر كالشيخ القرضاوي ، ومباركة الاستعانة بقوات اجنبية كقوات امريكا والناتو كما حصل في ليبيا ، او التعاون المباشر مع دول استعمارية غاصبة للحقوق العربية والاسلامية وداعمة للنظام العنصري الدموي الغاصب في اسرائيل كما حصل في سوريا ، لهو مصيبة حلت على الفكر الاسلامي غير الشيعي . فيما تتعامى هذه المؤسسات الدينية تماما عن الوجود العسكري الامريكي في الخليج او باكستان او تركيا او الاردن . وبالتأكيد انها انتكاسة كبيرة للمؤسسة الدينية في مدرسة الصحابة ، ظهرت جلية في ارتباكهم الواضح في التعامل مع الربيع العربي والخروج على الحاكم .
ان العراق مهد التشيع ومنطلقه في العالم كان على الدوام مضيافا لكل هارب وكل لاجئ يقدم من صحارى نجد والحجاز او سواحل الخليج او بلاد الشام او متاهات آسيا ، دون ان يسأل احدا عن مذهبه ، وحين كان هؤلاء القادمون الغرباء يبنون ذواتهم كان اهل العراق من الشيعة هم من يحمل السلاح دفاعا عن حدوده ، وحتى حين رأوا انتهازية هذه القبائل الوافدة وطعنها للظهر احيانا تحت تأثير روح البداوة لم يمنعوهم خيرات جنوب العراق من الحبوب والتمور والخضر والصناعات و غيرها ، بل لم يمنعوها عن تلك المجاميع التي البدوية الخليجية التي كانت تصل حدود سوق الشيوخ بحثا عن بقايا حبوب على الارض ، واليوم ورغم المجازر التي يقوم بها البدو من ربائب الاعراب لم يمنع شيعة العراق خير نفطهم عن حواضن من يذبحهم ، رغم ان ارضهم هي من تدر قوت العراق وحدها ، ومع ذلك يفجر الاعراب كل انبوب ينقل هذا الخير عبر اراضيهم !!! . وحين سقطت دولة آل الرشيد في الحجاز ونجد تحت ضربات آل سعود ووحشيتهم وانتهاكهم للحرمات وخيانتهم للعهود لم تجد قبائل شمر سوى الهجرة الى ارض العراق الآمن ، والذي رحب بهم واستوعب جموعهم كما فعل مع الاتراك والقوقاز والهنود وغيرهم .
البحرين .. التي ترتبط بدم العراقيين نسبا كان اهلها ولازالوا شيعة علي منذ صدر الاسلام ، ولم يدخلها غيرهم الا عن قريب بحثا عن ملجأ وطعام ، بعد ان قام حاكم قطر بطردهم من مدينة ( الزبارة ) في قطر ، لانهم خانوا عهده . وكان جزاء استقبال البحرين للبدو غير المتمدنين هو ارتماء هؤلاء البدو في حضن بريطانيا وسرقتهما للبحرين ، حتى وصل الامر الى اتهام اهلها بانهم اجانب والبدء بتجنيس الهنود لقمع شعب هذه الجزيرة ، التي لازال اهلها الاصليون يتجاوزون نسبة 75 % من السكان ! . وراح الغرباء الوافدون من آل خليفة بالاموال التي تحصلوا عليها من ثروات اهل البلاد الاصليين الشيعة يجنسون غرباء آخرين من هنود وباكستانيين وبنغال وبدو ، ليتم تحويلهم الى عسكر يقمع الشعب الاصلي ، تحت حماية مباشرة من الاسطول الامريكي المتواجد في البحرين وقوات درع الجزيرة الخليجية ، والتي لم نسمع بها في كل ازمات فلسطين ومعاركها ، لكنا سمعنا بها اليوم ضد شعب اعزل تم اسره وسلب حقوقه من قبل نظام عائلي ركيك مرتمي كليا ومنذ التأسيس حتى اليوم باحضان الاجانب ، ولا يوجد لهذا النظام لحظة تأريخية غير مرتبطة بالاجانب .
مصر  .. نعلم جميعا ان من بناها هم الشيعة الفاطميون ، ولم تشهد مصر نهضة علمية وعمرانية وتسامحية كما شهدتها في زمن الفاطميين ، الذين لازالت بصماتهم ترسم خارطة مصر وصورتها في العالم . فيما ارتبطت نهضتها الحديثة بشخصية العالم الجليل جمال الدين الافغاني ، والذي يرتبط ايضا بالشيعة والتشيع . ولم يحظ المغتربون المصريون بروح اخوية تحترم انسانيتهم كما في العراق منذ السبعينات والى اليوم ، فيما كانت الدول التي تخدعهم اليوم باسم الدين تعاملهم على انهم مكائن للعمل والخدمة ، بل سلبتهم حتى حق الراحة . ورغم السياسة المعادية التي تنتهجها القوى السياسية المصرية المختلفة ضد الشيعة الا ان هذا لم يمنع العراق من دعم الاقتصاد المصري عبر آلية الودائع البنكية وعبر فتح التعاون مع الشركات المصرية ، فيما كانت ايران من الدول القليلة التي ترسل وفودا سياحية في ظل الاجواء الامنية والسياسية المضطربة في مصر ، ورغم التهديدات الصريحة للوفود الشيعية .
المغرب العربي  .. لم يدخل الاسلام اليه ويترسخ الا على يد الشيعة ، حيث ان الشريف ادريس هو من انزل البربر من الجبال واقنعهم بالاسلام ، ليبني بعدها اكبر واجمل المدن المغربية .
اليمن .. ظلت لاكثر من 800 سنة تمثل اهم المناطق التجارية في المنطقة العربية ، والاكبر دورا في ادخال الاسلام الى شرق آسيا وغرب افريقيا ، والاصعب على الغزاة الاجانب ، طيلة تلك القرون التي حكمها فيها الشيعة الزيدية .
لبنان .. هذا البلد الذي لم يسهم احد في ايقاف حربه الاهلية كما اسهم زعيم الشيعة فيه السيد موسى الصدر ، فيما تعاهد شيعته ان يكونوا درعا لحمايته من اعتى الجيوش في العالم واكثرها اجراما . ولولا الدماء الطاهرة لشيعة لبنان لكانت اسرائيل قد حولته الى احدى مستعمراتها بعد تهجير اهله . وبين فوضى الاستفزاز المستمرة وانتهاك حرمات شيعته واسالة دمائهم والتآمر عليهم مع العدو لازال الشيعة اكثر انضباطا واوسع احلاما ، ولازالوا يعمرون ديارهم بايديهم فيما تتجاهلهم الحكومات المخالفة لهم بمرور الزمن ، لانها تحالفت مع اهم ركن للاستعمار في المنطقة في السعودية .
في الامارات وقطر وعمان .. كان الشيعة محور التجارة وآلة الفكر العملي وسبيل التغيير ، ولازالوا عامل الاستقرار ، واصحاب رؤوس اموال لم تذهب لدعم اوربا وامريكا .
فلسطين .. ذلك البلد المأساة ليس له اليوم من نصير عمليا الا الشيعة ، فايران لا زالت الداعم الاكبر لحركات المقاومة فيه ، فيما لا يدعم الاعراب والبدو الا من وضع يده بيد الصهاينة وبفتات الاموال ، والغريب ان الحركة الوحيدة التي لازالت بحزم لم تمد يدها للغاصب او الحكام المتعاونين معه هي حركة الجهاد الاسلامي التي تشيع اهم قادتها . ومع ان الاحزاب والمنظمات الفلسطينية صارت تعلن العداء للشيعة بصورة علنية دون وجود مصلحة او سبب يتعلق بفلسطين ، الا ان الدعم الشيعي لهم لازال الاكبر والاهم ، في تناقض تأريخي كبير . وفي الوقت الذي يرفع فيه الصيادون الفلسطينيون في غزة علم قطر على زوارقهم بعد رميهم علم بلادهم بتأثير المال القطري لا زال الشيعة يضعون علم فلسطين في كل محافلهم باعتباره رمزا للحقوق الضائعة وتذكيرا بان عليهم مهمة لم تنجز بعد .
السعودية .. بلد تأتي جل ثروته من النفط الذي جعله الله كنزا في ارض امتلكها الشيعة لآلاف السنين ، لكنه بحاربهم ويضيق عليهم معيشيا واعتقادا ومهنيا وعلميا ، رغم ان آل سعود لم يدخلوا المناطق الشيعية الا بعد تعهدهم بالحفاظ على الحقوق الاقتصادية والاعتقادية والقضائية وغيرها للشيعة ، وفي اتفاق لم يلتزم به الاعراب كعادتهم ، رغم ان مناطق الشيعة الغنية لم يتم فتحها بجيش ولا قتال لا بمعونة بريطانيا ولا بدونها ، فلم يسمح الشيعة حينها بدخول سوى اربعة مبعوثين عن آل سعود . والاغرب ان البدو الرحل صاروا يتهمون الشيعة المتمدنين هناك منذ آلاف السنين بانهم غرباء ، رغم ان هذه الاراضي والمناطق ملك قبائل عبد القيس الشيعة قبل الاسلام ، ولازالوا فيها يقطنون . فيما راحت جموع البدو تأكل ثروات ارض الشيعة في المنطقة الشرقية وتقتلهم بهذه الاموال ، بعد ان منعتهم وتمنعهم حتى من دخول بعض الكليات الاكاديمية تحت تهم الكفر والعمالة ، اما القوات المسلحة فهي محرمة عليهم .
الكويت .. لازال الوجود الشيعي الكبير هو اهم اسباب الاستقرار السياسي والاجتماعي فيها . ويمكن القول ان الاكاديميين من الشيعة خصوصا كان لهم دور مهم في دفع الكويت علميا الى مراتب متقدمة ، بالتعاون من اخوتهم العقلانيين من المذاهب الاخرى . فيما كان لتجار الشيعة دورا محوريا في تطور الاقتصاد الكويتي ماضيا وحاضرا ، كذلك كان لهؤلاء التجار الدور الاكبر في دعم الجوانب الامنية تأريخيا ، طبعا ولا يفوتني ان اذكر ان من اهم الاسر التي ساهمت في نشوء ونهوض هذا البلد هم من اهلي الذين تربطني بهم روابط النسب المالكي .
السودان .. كانت العلاقات الشيعية معها رسميا وشعبيا علاقات محورية ، سيما في الاوقات الصعبة التي مرت وتمر بها السودان . كما فتح العراق ابوابه للعمالة السودانية ، والتي لازال الكثير منها يعيش في جنوب العراق ويرفض العودة الى بلاده .
اما الاردن .. فهي تدرك جيدا ان كل شبر فيها يحمل بصمات الثروة العراقية الرسمية والخاصة ، ورغم انها تؤوي اليوم بقايا نظام صدام الدكتاتوري الدموي الا ان حكومة العراق لا زالت تضخ لها النفط العراقي المدعوم وتحيطها بعناية خاصة .
لكن في المقابل نرى وجها عدائيا رسميا وشعبيا ومؤسساتيا من ألآخر لكل ما هو شيعي ، بينما انفتاحا وانبطاحا تاما لامريكا والغرب وللفكر التكفيري الناصبي . وصار الدم الشيعي مهدور مغدورا ، بآليات بشعة لا تمت للشهامة والنبل بصلة .
قنوات واعلام كلاهما خاليان من اسس الاعلام المهني المحترم ، مدعومان باموال تجار البدو الذين لا يكادون يفقهون حديثا ، تديرهما عقول الاعراب الاجدر بالا تعلم حدود الله لانها اشد كفرا ونفاقا . ومن الطبيعي ان تولد هذه الموجة الاعرابية العنيفة موجة مضادا في الطرف الآخر ، كردة فعل ، وهو ما كان يخطط له ، لفتح جبهة المواجهة الاعلامية القذرة ، التي ستفتح جبهة المواجهة الدموية على الارض بكل تأكيد . . لكن بكل تأكيد ان المجتمع الشيعي الاكثر انضباطا ومركزية لن يكون طرف المواجهة العنيفة الذي يمثله ذا عقلانية واتزان ، لانه سيكون فاقد للعمق الشيعي التأريخي ومن المناطق الاحدث تشيعا نسبيا ، ومنفلت المرجعية ، لذلك سيكون منبوذا اجتماعيا ، مما ينتج لجوءه الى دول توفر له الغطاء المناسب والدعم اللازم ، والاهم انه سيكون مبتور علما وتأريخا ، او مطعون في امكانياته ، وبالتالي سيكون من السهل استخدامه في اللعبة ، وهو ما حصل .
الا ان دخول هذا الكم الهائل من قيادات الطرف الآخر لاجواء اللعبة رغبة او رهبة ، حبا او كراهية ، عموديا او افقيا ، ستزيد من ردود الافعال غير المسيطر عليها .
ان خضوع مؤسسات الطرف الآخر الدينية لسلطان السياسة وتمويل الحاكم ، وبالتالي رغباته ، وانبطاحها اليوم لموجة الضغط الشعبي غير الواعية وغير العلمية والمسيرة بآلات المكر ، سينتهي بانحسار هذه المؤسسات ، ومن ثم موت صوت العلم والتحقيق ، وذهاب المذاهب الاسلامية - غير الشيعية - نحو المجهول .
بعد دراستي ومتابعتي لواقع الاخوة غير الشيعة ، وبعد التعمق في مسيرتهم التاريخية ، والنظر في لحظات الضعف والقوة لديهم ، وجدت انهم ليس امامهم - ولو طرحوا وطبقوا مئات الحلول المقترحة - الا فتح باب الاجتهاد من جديد ، وتثقيف جماهيرهم وقواعدهم باهمية هذا الباب .
اما اهلي وقومي ، فالملاحظ هو تغلغل مجاميع ومؤسسات وافراد مبتورة التاريخ وفاقدة للعمق الشيعي ، كما يلاحظ ارتفاع اصوات لمجتمعات شيعية حديثة نسبيا تحاول تسيير المجتمع الشيعي وفق ترسبات تأريخها غير الشيعي ، نتيجة لعدم فهمها ماهية التشيع ، وهذا لا يتعلق بالعوام وحسب ، بل هو منهج موجود عند كيانات بثوب الاجتهاد ومؤسسات تعمل كمرجعية .
ان فقد الفهم العراقي التأريخي للتشيع ، وانتشار الفهم الناتج عن مدرسة غريبة تأريخيا على المذهب ادى الى تحويل جزء كبير من المسيرة الشيعية العلوية باتجاهات خاطئة وسبل منحرفة نوعيا .
يحاول البعص اليوم تحويل التشيع الى مؤسسة عسكرية ومالية ، اشبه بالمنظمات السرية ، غافلين او متغافلين عن حقيقة دوره التأريخي العقلي والشرعي وتمثيله لاطهر مؤسسة في العالم مؤسسة الهداية المحمدية .
ان هذا التوجه الحديث تاريخا هو ذاته من يحاول نشر فكرة مغلوطة ومساوقة لتفكيره العنيف المبني على السياسة الدنيوية والسلطان عن القضية المهدوية ، وبالتأكيد كل القضايا المتعلقة بها من اليماني والسفياني والخراساني وغيرهم . وعلماء هذا التوجه بين خطين ، احدهما غير قادر اصلا على فهم هذه القصايا ودلالة الرموز في رواياتها ، لحداثته الشيعية ، وخط آخر لا يريد فتح باب النقاش لاسباب دنيوية . ومن هنا لن يجرؤ احد منهم على افهام الناس ان السفياني مثلا لن يكون ناصبيا ربما ، بقدر ما هو حركة شيعية دنيوية منحرفة ، وان اليماني لا يربطه باليمن سوى تشابه المصطلح اللغوي ، وهو مؤسسة عراقية علمية واعية وحركية ، وان الخراساني - رغم حسن نواياه - الا انه سيكون احد اسباب عرقلة حركة اليماني صاحب راية الهدى ، بسبب تصديه لقيادة منصب ليس اهلا له ، وكذلك عدم قدرته على فهم الحركة المطلوبة لتوجيه الامة ، وهو لاشك ملتزم البعد السياسي الدنيوي في قيادة الشيعة .
اخيرا ، الم تفقد الجماهير القدرة على ادارة مفاصل شؤونها بعد الربيع العربي , واصبحت جميع دول الربيع العربي اليوم مهددة بالتقسيم الى دويلات – كما هو مطلوب عالميا - , فيما هي تعاني انقساما داخليا وارتدادا على الذات بالسلاح , حيث لا توجد هناك مؤسسات دولة تامة السيطرة في أي من هذه الدول . اذ من الواضح الجلي ان هذه الثورات تم سرقتها لحساب احزاب ومؤسسات وكيانات موزعة بين البراغماتية النفعية التي دخلت تحالفا من قوى الاستكبار العالمي – وكانت تسوق عداوته سابقا للجماهير – وبين السلفية والافكار التي لا تؤمن بالخروج على الحاكم ظالما او عادلا ولا تؤمن بالآليات الحديثة لتداول السلطة ويشكل التعامل العنيف اهم مبادئ نشر دعوتها وبين بقايا الانظمة القمعية الدكتاتورية التي تمت ازالتها , وغيرها من القوى والجماعات التي تجيد ركوب ثورات الشعوب التي تفقد الوعي المناسب والزعامات المخلصة او العلمية , وكل ذلك عندما انسحبت القيادات والمؤسسات الدينية والفكرية والسياسية العقلانية عن الساحة .
وقد تحول الصراع – بعد ربيع الشعوب الخادع – الى صراع داخلي مذهبي وجماعاتي وعشائري وحزبي , ليس بالحوار , بل بالسلاح واراقة الدماء . فقد تم تجييش وتحشيد جماهير العوام بعد شحنها طائفيا وحزبيا , وتم العمل على ادخالها في دوامة لا عقلية , تعتمد لغة العاطفة والصورة , يغيب عنها العقل والصوت .
في الطرف السني تم تحويل وجهة العداء من اسرائيل والغرب الى التشيع , رغم قرون طويلة من التعايش المباشر بصورة سلمية , وتم بث اكبر حملة من الكذب الملتحي من على وسائل اعلام لجهات دينية او علمانية , لجهات رسمية او رأسمالية , تناولت وصف الشيعة باقبح الاوصاف , فيما تم القضاء بصورة شبه تامة على حوار الكتب والفكر وتحويل الحوار الى شوارع العوام , والتي نعلم جميعا انها لا تملك آليات التحاور , حيث شاركت الحكومات في ذلك بصورة جدية لتحويل نظر شعوبها عن مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .
فيما على الطرف الشيعي تم تسويق كذبة كبيرة لاغراض سياسية , مفادها ان نظام بشار الاسد في سوريا يمثل مصالح الشيعة في وجه النواصب , بينما هو نظام علماني لا يرتبط بالدين , دكتاتوري قمعي عائلي , اذاق شعبه مرارة الحاجة الاقتصادية والسياسية , وهو نظام مركب من كل المذاهب , حيث يشكل فيه السنة وغيرهم نسبة لا تقل عن العلويين . وتم ربط كلمة العلويين بالتشيع , فيما هناك خلافات جوهرية بين التوجهين , كما ان العلويين كان في اوائل من تظاهر ضد نظام بشار , لكن دخول الجماعات السلفية الدموية العنصرية على ساحة الصراع تحت شعارات الابادة الجماعية وبمباركة خليجية اعرابية اضطر العلويين الى دخول معركة الحفاظ على الوجود , لا حبا بنظام الاسد , وهو نفس الامر الذي سبب الخشية عند المقاومة في لبنان , سيما بعد شعارات التوجه ضد شيعة لبنان عند الانتهاء من سوريا .
وفي خضم هذا الصراع المصطنع بين مذاهب الامة لابد من مراجعة كل مكون لاوراقه ، وعليه ان ينظر الى موقعه من خريطة العلم والحكمة ، وهل ان خياراته ناتجة عن دراسة ام عن مسايرة للموجات العابرة والموجهة من الخارج ، والاهم اليس من المفروض والضروري ان يلتقي علماء الامة بمختلف مذاهبها لوضع النقاط على الحروف .
اخيرا , رحت اتسائل : لماذا هذا الفرق الكبير في السلوك بين الشيعة وبين المتشيعين و بين غير الشيعة ؟
لم اجد جوابا الا ان يكون الفرق هو ذاته الذي يجده المتابع بين سلوك علي بن ابي طالب وبين سلوك اعداءه خصوصا من بني امية او ممن اثروا على حساب مؤسسة الخلافة وبين سلوك من يدعي الانتماء اليه ويعيش بسلوك اعداءه .
الفرق في المدرسة .


...

علي الابراهيمي

A1980a24@gmail.com


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الموسوعة المعلوماتية عن مدينة الناصرية .. مهد الحضارة ومنطلق الابداع

عين سورون ( عين الرب )

تداخل العوالم .. بين الادلة و النظريات