ردا على الشيخ اليعقوبي في قضية المثنى
ردا على الشيخ
اليعقوبي في قضية المثنى
الحقيقة انني رحت
أتأمل كثيرا في كلمة المرجع الشيخ محمد موسى اليعقوبي ، التي القاها في وفد طلبة
جامعة الصدر الدينية في الرميثة ، فوجدت في نفسي شعورين ، احسب انهما كانا مناسبين
حينها ، اولهما هي النشوة والشعور بالطمأنينة ، لوجود قائد ورجل دين بهذه المستوى
من الدقة في تتبع القضايا المجتمعية ، وهذه العلمية في تناول المشاكل والظواهر
الاجتماعية . اما الشعور الثاني فهو ناتج من احساسي بالألم الشديد حول المضمون
الذي تناولته الكلمة ، من بؤس ، وضياع للحقوق ، وتدجين وتجهيل للناس ، ورضوخ الناس
لعمليات التدجين والتجهيل ، بينما اخذ الجلادون امتيازات غير مستحقة وباثر رجعي !
.
استعرض سماحة
الشيخ كيف ان الاحصائيات تظهر ان نسبة الفقراء في العراق بنسبة 24 % ، اي انهم ربع
الشعب العراقي ، تأتي محافظة المثنى في ذيل هذه النسبة الفقيرة .
اما من
الناحية العلمية والاكاديمية فالمحافظة تشهد فقرا واضحا في عدد طلبتها الدارسين في
الكليات العلمية المهمة كالطب والصيدلة وغيرها التبعة لجامعة المثنى ، وبنسب لا
تتجاوز 15 % . فيما ان وجود طلبة المدينة في هذه الكليات هي المؤشر على مستوى
المعدلات العلمية للطلبة فيها .
اما من ناحية
الحقوق فالمدينة عانت اهمالا كبيرا ، رغم انها مدينة لها تاريخ ثوري واجتماعي مميز
، ولها فضل كبير في قيام الدولة العراقية الحديثة .
وتساءل سماحة
المرجع عن اسباب كل ذلك ، واثار سؤالا اكبر مفاده : ان بضعة الاف من الناس اخذوا
امتيازات غير مستحقة ، وباثر رجعي حتى 2003 ، رغم انهم كانوا هم الجلادين ، فيما
لايزال الملايين من الضحايا لم ينالوا حقوقهم ؟! ، مشيرا الى ان تظاهرات بضعة الاف
من الجلادين اخذت من المكاسب ما لا تستحق ، بينما ان الملايين من الموالين لأهل
البيت الذين يزحفون نحو كربلاء سنويا ، لنصرة الحسين عليه السلام وثورته ، ويفخرون
بانه ( ابي الضيم ) ، يفشلون من ان يكونوا هم اباة الضيم ، ولا يزحفون لاستنقاذ
حقوقهم ! .
وسماحة الشيخ
قد شخص بعض اهم الاسباب الكامنة وراء هذه المشاكل ، والتي منها تدجين الناس ،
وتجهيلهم ، وتقاعس الناس انفسهم ، وخضوع هذه الملايين لسياسة التدجين والتجهيل
بصورة ارادية غريبة ، تظهر ارتياحهم لهذا النوع من العيش البائس . متسائلا عن سبب
رفض الناس لمن يريد ان يأخذ بأيديهم نحو الهدى وجادة الصواب ، لاستنقاذهم من هذه
الظلامات .
وانتقد سماحة
الشيخ ايضا عدم احترام السلطات المركزية لمشاعر هؤلاء الملايين ، حيث تقيم السلطات
مهرجان ( بغداد عاصمة الثقافة العربية ) ، وتستقبل العديد من دعاة ( الفن )
والمطربين وكل ارباب الموسيقى والغناء ، والذين كان المجتمع العراقي قد تخلص من
شرورهم لسنين عديدة ، في ذات اليوم الذي تخرج فيه جماهير البصرة في تشييع رمزي
مهيب لنعش الصديقة الطاهرة المظلومة فاطمة الزهراء عليها السلام .
فاردت هنا ان
اجيب سماحة الشيخ ، واعلق على كلمته التي استشعرتْ فداحة ما نعيشه .
ان المشكلة
الاساسية وراء كل معاناتنا هي ( القيادات غير المؤهلة وغير الكفوءة ) دينيا
واجتماعيا وسياسيا . حيث مما لا شك فيه ان المجتمع الموالي في العراق كان مجتمعا
ثوريا على الدوام ، وكان ينتفض دائما لاستنقاذ حقوقه ، لكن حين كان يملك قيادات
واعية . وطبعا ان الفترة البعثية التي مرت على العراق غيّرت كل المنظومات فيه ،
ومن ضمنها المنظومة الفكرية ، التي تم التلاعب بها ، لتصبح سهلة الانخداع ، وتقع
فريسة للمتاجرين بالدين والشعارات ، والنفعيين الذين يعيشون من خلال تجارتهم بحب
وولاء اهل بيت النبي عليهم السلام .
ان الكثير من
الناس اليوم يريدون الانتفاض لاستنقاذ حقوقهم ، لكنهم لا يجدون فرصة ذلك ، من خلال
توفر قيادة صالحة توجههم ، ولا اقصد بالانتفاض المسلح او العنيف ، بل كل طريقة
صالحة لاستنقاذ الحقوق . وفي احيان كثيرة يكون هؤلاء الناس هم ذاتهم السبب في عدم
ايجاد القيادة الصالحة ، لانخداعهم بأوهام وصور تسوقها جهات تعيش على خداع الناس .
ففي حين ان
محافظات مثل المثنى والبصرة تعيش حالة من الولاء المطلق لآل البيت عليهم السلام
وتقوم على خدمة شعائرهم ، تكون هذه المحافظات هي ذاتها احد اهم الداعمين لمن يقوم
على مهرجان الرقص على الدماء في بغداد ، في تناقض بين الفكر والعمل ، ناشئ عن
سياسة التجهيل ، التي تساهم فيها مؤسسات عديدة ، دينية واجتماعية وسياسية .
وينطبق هذا السلوك
التناقضي حول الشعارات التي ترفعها محافظات كثيرة مظلومة وموالية ، لكنها في ذات
الوقت تكون السبب في ضياع حقوقها ، لأنها تدعم المنظومات الخطأ بسبب الجهل .
كما ان
الملايين من الناس التي تنصر الحسين لثوريته ، تعيش حالة من التقاعس والتخلف عن
المطالبة بالحقوق ، بسبب سياسة التدجين ، التي تشرف عليها اكبر المؤسسات الدينية ،
التي تحتكر الحسين ذاته ، كما احتكرت الدين ، بالتوافق مع الكثير من المؤسسات
السياسية الضخمة ، وخضوع اغلب المؤسسات الاجتماعية ، والتي اهمها هي مؤسسة العشائر
وشيوخها .
ان اسوأ تحالف
قاتل للشعوب هو التحالف بين رجل الدين والسلطة واصحاب الاموال ، وهو بالضبط ما
يعيشه العراق اليوم ، لذلك هناك آلة ضخمة لمص الدماء ، تدعمها آلة ضخمة للتنظيف
وتسويق مص الدم هذا على انه انجاز ، نسميها الاعلام ، والذي يكون مرة على شكل
صحيفة ، ومرة فضائية ، واخرى اذاعة ، وربما منبر يستغله رجل دين هزاز .
ان السلوك
الاجتماعي هو ايضا من يحدد توجه المجتمع ، فهناك من يركن للسلامة والدعة ، حتى وان
نام على الارض والتحف السماء ، لذلك هو يتوجه الى قائد ساكن كسكون الظلام . وهناك
من يهتم لاستعراض العضلات ، لكنه لا يجيد استنقاذ الحق ولا يعرف حتى ما هو ،
فيتوجه الى قائد ثرثار ساذج ، كل يوم هو في حال ، لا لشيء سوى اثبات انه موجود .
وهناك من هو فاسد ذاتا ، فيبحث عن قائد فاسد ومنظومة فاسدة مثله .
ان المنظومة
الفاسدة التي رافقت حكم البعث للعراق انتجت منظومات عديدة مشوهة ، تسببت في هذا
الوضع المشوش للمجتمع العراقي ، حيث يلتزم الناس قيادات فاشلة جدا .
فالكثير من
اهل المثنى يرجعون الى مرجع لا يعرف اين تقع مدينتهم اساسا ، فكيف يتوقعون منه ان
يعرف مشاكلهم ؟ . لا عن سوء نية منهم ، بل لان رجل دين غير واعي ، او ساذج ، او
نفعي وصولي خدعهم واستغل ميلهم الديني ليخبرهم ان المرجع ليس من وظائفه البحث في
مشاكلهم الاجتماعية ، بل ان وظيفته الوحيدة هي كتابة رسالة عملية وقبض الحقوق
والسيطرة على المراقد !. لذلك تصر اغلب المؤسسات السياسية المتنفذة على حصر
المرجعية بعدد معين ، والدفاع عن هذه الفكرة الخبيثة بشراسة ، لان هذا العدد هو من
رضي ان يكون جزءا من هذه المنظومة الوهمية الكبيرة .
كما ان هناك
من القادة الاجتماعيين من يستغل الشحن الطائفي ، ليخدع هؤلاء الناس ان بإمكانهم
تأجيل المطالبة بحقوقهم ، لأننا اليوم في مواجهة مذهبية ، والاهم نصرة المذهب ! .
والحقيقة ان المذهب من سيء الى اسوأ بسبب هؤلاء القوم . وكذلك يتناسى الجميع ان
المذهب وجد اساسا للمطالبة بحقوق المظلومين المستضعفين ، وكان على الدوام هو جهة
الرفض لكل ظالم .
وفيما يحاول
الناس انتقاد المنظومة السياسية ، لأنها تشرف على المنظومة الخدمية المرتبطة
بحياتهم مباشرة ، تناسوا ان كل ذلك لن يتغير الا بتغير المنظومات الفكرية
والاجتماعية والدينية ، المطبقة اليوم على انفاس العراقيين بسياستي التجهيل
والتدجين .
ففي حين كانت
شعارات اهالي الرميثة في المناسبات الحسينية مشعلا للثورة الاجتماعية ، استفرغها
اليوم تجار الدين وروّاد تدجين الناس في لطم الصدر وايلام الذات ، وحصر الشعارات
بكلمات فلكلورية مستهلكة ، ليس لها علاقة بالواقع المعاش ، متناسين ان الرميثة
صاحبت اشهر قصائد الثورة الاجتماعية ( يحسين بضمايرنا ) . وليس ذلك مختصا بالرميثة
فقط ، بل هو عام في كل العراق ، لكن الرميثة كانت مشعلا يؤلمنا انهم اطفئوه .
ولكن لعل وصية
سماحته لرجال الدين من طلبة جامعة الصدر الدينية في الرميثة بان يكونوا اهلا للعمل
الاجتماعي ، وان يحملوا هم الاصلاح والتغيير في محافظتهم ، نحو الوعي ، تكون حافزا
لغيرهم ، ليقوموا بذات العمل .
واخيرا اختم
ببيت رائع نقله سماحته عن جده الشيخ محمد علي اليعقوبي , الاديب المعروف :
من عادةِ
الناسِ للأصنامِ تعبدها من خسّةِ
الناسِ لا من رفعةِ الصنمِ
( فخسة الناس
هي التي ترفع شأن الصنم الحجر , لا ان يكون هو ذا قيمة حقيقية )
.......
علي
الابراهيمي
تعليقات