بين اليزدي والسيستاني .. سقوط بابل


البريطانيون اعتبروا انزواء الشيخ محمد كاظم اليزدي في بيته إذناً وعلامةً لقمع انتفاضة النجف الأشرف ضدهم عند بداية دخولهم العراق . وقد ارجع المحللون هذا الموقف اليزدي الى احتمالين ، الخوف او التقاء المصالح الخاصة له مع مصالح البريطانيين .
لكن النتيجة كانت واحدة دائما ، فقد اندثرت معالم الثورة ، وامست هذه اللحظة بداية لتاريخ جديد ، صار فيه العراق فريسة ، بعد ان كان فارسا . واستلب البدو كنوزه ، فانخفضت نسبة التجار الشيعة من 90 % قبل الاحتلال البريطاني الى 40 % في منتصف الثلاثينات ، وبالطبع ان الأثرياء وحدهم من كانوا يستطيعون تعليم أبناءهم وصنع حضارة مادية . وفي بداية العشرينات انكسرت عرى اوثق حلف قبلي عراقي ( المنتفك ) بعد ان تدهورت عوامل الثقة بين احلافه الثلاث ، إذ انفرد بنو مالك بثورة 1919 م ضد البريطانيين ، وتمزق بنو سعيد الى درجة الإبادة حين تصارعوا بينهم . وانقطعت خيوط التواصل بين الجماهير العراقية وبين الطبقة السياسية ، اللتان كانت تجمعهما أنامل المرجعيات الدينية وحوزاتها ، فراح السياسيون ينفردون بالقرار وينزلقون عن ساحة المراقبة ، وراح الناس يجهلون حقوقهم السياسية . فيما تم خداع شيوخ ورؤساء القبائل العريقة التي كانت بحكم الإمارات بنظام العسكرية ، فاُستلب أبناءهم تحت صدى عنوان ( فوج موسى الكاظم ) ، وهم يظنون انهم سيدفعون العدو عن عرين الكاظمين والعراق ، لكنّ الحقيقة التي ظهرت لاحقاً انهم صاروا عبيداً لاعداء الكاظمين والعراق ، وباتوا مرتزقة تحت أيدي حلفاء البريطانيين دون بصيرة .
وانقسم رجال الدين امام هذه المفارقات الى قسمين ، احدهم يحسن الظن بأية عمامة بسذاجة ، او تستجلبه المصالح والمنافع الشخصية الى جحور الجور ودهاليز الصمت ، لاسيما الذين لا تربطهم بهذه البلاد ملوحة ولا دم ، والآخر ينتفض حرقةً لعراقه ومبادئه ، لكنه مستلب الإرادة والقدرة ، خصوصاً مع عدم تورّع الفريق الأول ودناءة أدوات قادته وموجهيه .
واليوم يعيد التاريخ نفسه ، فيقرأ الامريكان انزواء مرجعية السيستاني – مع اعتبار عنونتها بالعليا - علامةً وإذناً لاستلاب البقية الباقية من كرامة العراقيين ، وحلب ما تختزنه الأرض من ثرواتهم .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الموسوعة المعلوماتية عن مدينة الناصرية .. مهد الحضارة ومنطلق الابداع

اعلُ هُبَل

السوط البكتيري وقَبْليات العلم الإلحادية