بين السلفية و الصفوية 1
بين السلفية و الصفوية
علي الابراهيمي
7 \ 2012
الطائفية ميزة العصر الراهن , والفئوية المحرك الرئيسي للاحداث , وهما عندما يتركزان يصبان في مستنقع الفناء والخراب والانعزال . لذلك قررت – كمسلم – ان اتناول ما يخصني من هذه الظواهر , وملخص الاحداث السنية الشيعية , باعتبارها جوهر القضية الاسلامية .
ومن البديهي للعاقل المنصف ان النزاع ليس ) سنيا – شيعيا) , بل هو ( سلفي – صفوي ) , وربما يستغرب البعض هذا الاخراج للسلفية عن السنية , وللصفوية عن الشيعية , وهما دين واحد , لكني ساثبت باذن الله انهما ليستا كذلك , بل هما متمايزتان عن كلا المذهبين , ويشتركان في جذورهما ونتائجهما اللتين تقربانهما من بعض , رغم ظاهر الصراع بينهما .
وانا لا اقصد بالصفوية تلك الدولة التي انشأها ابناء الشيخ صفي الصوفي التركي – بعد تشيعهم - , ولكني ادرس المنهج الذي برز ورافق نشوء هذه الدولة , بما يميزه من ممارسات وطقوس اختلفت عن سالفه , وعن معاصره في العراق حينئذ , نتج عن جو الصراع الصفوي – العثماني , واستغلال قيادتي الدولتين للورقة المذهبية في تقوية كيانهما او ضرب خصومهما , وهو ما يختلف عن متبنيات الشيعة اليوم عموما , لكنه يتجلى في طائفة منهم , ستكون هي محور دراستنا , والنموذج الاقرب لهذا المنهج , بالاشتراك مع بعض التيارات والتوجهات المشخصة والواضحة ضمن المنتمين الى المذهب الشيعي في هذا العصر .
جاء في احد بحوث مجلة ( نصوص معاصرة ) : لقد أخرجت الصفوية فجأة النهضة الشيعية من مخابئها إلى العلن، لكن لم يكن للأقلية الشيعية آنذاك طقوس محددة أو رموز وعلائم ومراسم اجتماعية. لهذا عولجت هذه القضية بتأسيس وزارة لهذا الأمر، وكلّف شخص باسم «وزير المراثي» بهذه المهمة. جاء هذا الوزير أولاً بتحف الغرب إلى إيران في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث اقتبس من أوربا الشرقية ـ بعد زيارتها ـ رموز المراسيم الدينية وآلاتها وتصاميمها والمراثي المعمول بها في الكنائس، ثم أضفى عليها ـ بمعونة رجال الدين ـ طابعاً شيعياً إيرانياً؛ فظهرت طقوس ورموز لم يسبق لها مثيل لا في إيران ولا في الإسلام ولا حتى عند الشيعة، مراسيم كالتمثيل والتشابيه والتشييع الرمزي ورفع الأعلام الحديدية وخدمة الستارات ورسم الصور والمبارزة وتعليق الأقفال بالأجسام والضرب بالسلاسل أو الموسى والعزف والطبول و... ) .
اما السلفية فهي منهج بائن كليا عن مذهب اهل السنة والجماعة بجذوره ( ابن تيمية ) , و تأسيسه ( محمد بن عبد الوهاب ) , و مراكز دعمه ( السعودية ) .
يقول لمفكر الإسلامي الشيخ جمال قطب، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف في رده على سؤال (ما رأيك في الصعود السريع للتيار السلفي ) : ( جميع المسلمين في مصر وفي غيرها أتباع للسلف الصالح، والسلف هو مرحلة زمنية تعبر عن جيل الصحابة وجيل التابعين وتابعي التابعين، فالسلف نمط ونموذج وليس مذهبا، لأن المذهب مدرسة ورؤية وهيكل وبناء كامل، والسلف لم يعهد عنهم ذلك، وإنما عهدت عنهم أفكار متناثرة لعقليات مختلفة في مواقف متعددة، أما الادعاء بأن السلفية يشكلون مذهبا وتوجها فأمر فيه تجاوز للحقيقة، وكل الممارسات التي على الساحة مجرد رؤى لدعاة محدودي النظر منقولة من مجتمعات أخرى ) .
ومن جميل الكلمات التي تصف ( السلفية ( تلك التي سطرها ) سيف نصر الفيصل ) , حيث كتب : (السلفيون خطرون ولكن على أنفسهم وعلى من يحيط بهم. صاروا عبدة الممارسات بدلاً من أن يكونوا عبدة الله وتحول الدين بين أيديهم إلى مطاوعة وعصي وإجبار. هم ساذجون في تفسيرهم لهذا الدين السمح وتائهون بين القرون الماضية وحال العالم اليوم. لا يستطيعون تقدير أن العصر تغير، ولكن روح الإسلام لم تتغير. يدوخون في أدق التفاصيل في ما هو حلال وحرام ومسموح ومكروه، دون أن يراعوا أن الإسلام ما بلغ ما بلغه إلا لأنه كان قادرا على التطور وتبني الأفكار ورعايتها ونشرها. يُكرهون الناس على الممارسات ولا يبدو أنهم يهتمون بما في الصدور. ويجعلون الشباب ينفرون منهم حتى صاروا عبئاً على الإسلام الحنيف. ولعلي لا أبالغ إذ أقول أن أكثرهم سذاجة هم الجهاديون منهم. فهل يوجد فشل أكبر من أن تقتل نفسك وتقتل الآخرين فلا تتغير ولا تغير بل تقطع طريق الحياة التي وهبنا إياها الله تعالى؟ ) .
ان المنهجين ) السلفي والصفوي ( يشتركان في نقاط تكاد تكون موحدة لعملهما , لولا اختلافهما في الجهة التي يدعيان تمثيلها , وسيتكفل البحث - ان شاء الله – ببيان هذه النقاط ومناشئها واسبابها .
يقول احد الباحثين : (
إن العداء الظاهري بين الأطروحتين، السلفية السُنية والسلفية الشيعية، يمثل القاعدة أساسية التي استخدمها التياران للبقاء وإضفاء المشروعية والقدسية على ما تروجانه من أفكار تحت عنوان الحفاظ على المعتقد والمذهب، على أن هذا العداء المُعلن – بشكل صاخب - يُخفي تشابهاً وتوحداً واضحاً في الأهداف والغايات التي يسعى إليها كل منهما، كما يوجد تشابهاً كذلك في الأساليب التي يلجأ إليها الطرفين في مواجهة خصومهما سواء بين أبناء المذهب أو في المذاهب الأخرى . إن الدور الذي يلعبه الطرفين السلفيين في هذه المرحلة كشف بوضوح طبيعة الأهداف التي يسعيان لتحقيقها في المنطقة، ففي مرحلة سابقة لم تحقق المحاولات السلفية لاستفزاز الشيعة ودفعهم لدخول معركة تكفيرية مذهبية أي نجاح، وقد تعامل علماء ومثقفي الشيعة مع هذه المحاولات بقدر كبير من الوعي ) .
ويضيف مبينا بعض اوجه الشبه بين المنهجين : (1 - الإستعلاء الفكري وإعتبار أطروحتهم الفكرية كمعيار معصوم لقياس مصداقية الآخر.
2 - تضخيم قضايا الخلاف الصغرى (التاريخية على سبيل المثال) واعتبارها كقضايا دينية وعقائدية وبالتالي فإن عدم الإيمان بها يمثل نوع من الهرطقة أو الردة.
3 - نشر نصوص الآخر بطريقة مبتورة ومشوهة بحيث يتم إظهاره كخارج عن مسلمات المعتقد الديني أو المذهبي.
4 - وأخيراً الصخب والإثارة الإعلامية والذي يعتمد على إعادة صياغة نفس الأفكار بطرق متنوعة غير مختلفة من ناحية المضمون . ) .
ان تناول السلفية امر هيّن باعتبار وضوح بينونتها عن مسلك اهل السنة , لكن توضيح القصد من مصطلح الصفوية يتطلب اختيار نموذج تطبيقي للبحث , باعتبار صعوبة ظهور طوائف بمستوى بينونة السلفية ضمن المذهب الامامي , لاختلاف الظروف , ومن هنا كان الاختيار الامثل مجموعة من التيارات , او الخطوط , كما شئت فعبر , داخل المذهب الامامي , تمثل اوضح معالم المنهج الصفوي , ابرزها هي ( المدرسة الشيرازية ) و ) التيار المقتدائي ( .
ان المدرسة الشيرازية اعطت الكثير لمذهب اهل البيت داخليا وخارجيا , من خلال رجالاتها ومؤسساتها , سيما ما بذله السيد محمد الشيرازي الراحل , لخدمة المذهب , خصوصا النهضة الدينية في الخليج , لكن هذا العطاء اصطدم بنتائج عرضية , افرزتها مجموعة المناهج العامة التي سارت عليها المدرسة , وبالتالي نجم عن ذلك سلبيات رجعت بنتائج عكسية على عموم مذهب اهل البيت .
اما التيار المقتدائي , وهو ما يصطلح عليه خطأً ( التيار الصدري ) , لاختلاف الغاية والمنهج , على تفصيل له محله , فهو تيار يتضمن متناقضتين , ففكر بعض قادته يرنو نحو النهضة الاسلامية , لكن سلوك مجموع التيار يصب في مستنقع الطائفية . ان اعتقادي في قائد التيار ( السيد مقتدى الصدر ( انه يُبطن الاخلاص في خدمة الاسلام , لكن مجموع انتاجه يخدم اعداء الاسلام , ولعل سائل يستشكل ويقول ان هذا تناقض فكري مني , لكن الحقيقة انني اعرف الرجل بنواياه , وان جل مشكلته ) الحاشية ( و ) القواعد ( , فلو تم تركه يعمل مع المرجعيات الشيعية دون تدخل من الحاشية المحيطة والقواعد الشعبية لرأيناه شخصا اخر تماما . كما ان التيار لم يخلُ من بعض الشخصيات الناضجة والمقدرة لظروف الامة , رغم صعوبة العمل داخل دائرة عملها , كالشيخ ) صلاح العبيدي ( مثلا .
ان نموذج التيار المقتدائي هو للصفوية العملية , لا الصفوية المنظمة ذات الفكر المحدد , بمعنى ان التيار عبارة عن مجموعة قواعد شعبية عامية , ذات حماسة مفرطة , غير واعية , ولم تخضع لتربية الجيل الرسالي من المراجع المصلحين ,تحت قيادة غير ناضجة متأثرة بمجموع الضغوط الشعبية والخارجية المصلحية , سلبا وايجابا . لذلك يتأثر مجمل التيار بجملة صور الهجوم الغربي السلفي على مذهب اهل البيت , فيعمد الى ردات فعل عكسية مساوية بالقوة ومعاكسة في الاتجاه . من هنا اخرجت نموذج التيار المقتدائي عن مسار الدراسة , والتزمت دراسة المناهج الصفوية والسلفية ذات الفكر العدائي التكفيري المنظم والمنهجي .
ان المدرسة الشيرازية تمثل اليوم الوجه الآخر للسلفية داخل مذهب الامامية , وهذا لا يعني شمول المدرسة جميعها بهذا الاتهام , لاننا نستطيع جزما اخراج الكثير من الشخصيات ذات الفكر الاسلامي الراقي , والتي تخرجت او تأثرت بمناهج هذه المدرسة , كالسادة ) آل المدرسي ( والسادة ) آل القزويني ( وبعض رجال الدين الواعين في الخليج .. الخ من الشخصيات المعطاءة والناضجة والعاملة .
الا ان هناك شخصيات لازالت تدعي بقوة تمثيل المدرسة الشيرازية , وانها الجهة المخولة بالنطق عنها , صارت تمثل اقبح صور المنهج الصفوي , ولعل اهمها ) مجتبى الشيرازي ( و ( ياسر الحبيب ) . والرجلان من سكنة عاصمة الضباب ( لندن ( , لذلك ساميز هذا الباب للمدرسة الشيرازية باسم ) الصفوية اللندنية ( .
تعليقات