الحسين بن علي 3
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
وكان الحسين كذلك يسعى في نشر التشيع علناً , لكن بالفكر لا بالسيف كما يظهر من احتجاجه على نافع بن الأزرق احد رؤوس الخوارج[1] . فيما بلغ الامر ببني امية ان يأخذوا البيعة ليزيد من أئمة المسلمين بالسيف[2] . لهذا لم تكن كلمة الحسين امام الوليد والي بني امية على المدينة وامام مروان بن الحكم سوى بيان ضروري لمقام اهل البيت النبوي السامي وواقع يزيد الجائر على الدين والعباد[3] . بعد ان كان الحسين يتجنب الاحتكاك المباشر حتى يستطيع نشر الإسلام الصحيح دون ان يعطي الحجة المباشرة لمضايقة حركته , لكن حين حصر المقام بين الاعتراف بالظالم كحاكم شرعي وبين نشر العلوم الدينية اختار الحسين الانتصار بالدم وايقاظ الامة من سباتها واعادتها الى رشدها بدرس من نوع اخر . اذ لم يكن الحسين فرداً عادياً في الامة , بل ايقونة معرفة ودين , وموقفه حينئذ سيكون بوصلة توجه الناس الى درب سلوكي واجب , ولهذا توقع عبد الله بن مطيع الاسترقاق من قبل بني امية اذا قُتل الحسين فلا مقام اعلى من مقامه وانه كان محوراً اجتماعياً مهما [4] .
ومن كتب اهل الكوفة يتضح امران , ان البصرة والكوفة صارتا متقاربتين حتى عدتا واحدا , وان الزعماء كانوا منقسمين اهل حق واهل باطل , لم يجتمعا وما اجتمعا في الطف , وان القريبين الى البصرة هم الذين خرجوا على الحسين لاحقا ,
وكذلك يتضح ان كتب الاشرار منهم كانت بتأثير شعبي . فقد كانت هناك فئة سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد البجلي وحبيب بن مظاهر الاسدي وعبد الله بن وال , وهم بين شهيد مع الحسين في طف كربلاء او شهيد في ثورة التوابين ثأراً لمقتل الحسين . وكانوا في الغالب من القبائل المحيطة بالكوفة ومن شيعة علي بن ابي طالب فكراً وعقيدة .
فيما كانت هناك فئة من زعماء القبائل او الوجوه الاجتماعية استجابت للضغط الشعبي المناصر للحسين وراءت الناس في مراسلته , على رأسهم شبث بن ربعي التميمي وحجار بن ابجر ويزيد بن الحارث بن رويم و وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير بن عطارد , وكل هؤلاء قاتل الحسين لاحقاً وغدر به , وليس لهم تاريخ عقائدي مع ابيه , بل جل علاقتهم بعلي بن ابي طالب كانت سياسية باعتباره رئيساً للدولة , وكانوا اقرب الى قبائل إقليم البصرة من بني تميم وشيبان .
ولم تلتقِ كتب الفئتين ابداً . لهذا من التجني خلط أوراق الحزبين والإساءة لزعماء الكوفة الذين استشهدوا مع الحسين . فقد كان الملفت ذهاب الكتب الى الحسين بتوقيع الفئة الأولى مشتركة بمعزل عن الثانية , وذهاب كتب الثانية الى الحسين مشتركة بمعزل عن الفئة الأولى[5] .
ومن غريب ما يُنقل رأي محمد بن الحنفية اخي الحسين ونصيحته له بالاعتصام باليمن فان فيها انصار ابيه وجده [6]! , وقد علمنا فيما سبق ان جيش معاوية بن ابي سفيان كان يرتكز الى حمير وعك وهم اهل اليمن . الا اذا كان ابن الحنفية يقصد يمانية العراق بمعنى جنوبه .
وكان الذي أشار على يزيد بن معاوية بقتل الحسين عن طريق تولية عبيد الله بن زياد على العراقين ( سرجون الرومي ) وهو رجل مسيحي كان المتولي على خطط بني امية خلف الكواليس[7] . بعد ان كتب ليزيد من الكوفة رجل حضرمي يمني جنوبي هو عبد الله بن مسلم حليف بني امية يخبره بتضعف النعمان بن بشير الانصاري عن مواجهة مسلم بن عقيل رسول الحسين , والنعمان لم تطاوعه نفسه قتل الحسين او أصحابه[8] .
حين أرسل الطاغوت زياد بن ابيه الصالحين ( حجر بن عدي الكندي واصحابه ) الى معاوية بن ابي سفيان كتب : ( إن طواغيت من هذه الترابية السبئية رأسهم حجر بن عدي خالفوا أمير المؤمنين وفارقوا الجماعة جماعة المسلمين ونصبوا لنا الحرب فأظهرنا الله عليهم وأمكننا منهم . وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي الستر والدين منهم فشهدوا عليهم بما رأوا وعلموا ... )[9] . ان هؤلاء ( الخيار والأشراف وذوي الستر ) الذين شهدوا زوراً على الصحابي الجليل حجر بن عدي – الذي كان ممن كاتب عثمان معترضاً على سياسته - هم ذاتهم من قادوا الجيش ضد الحسين بن علي في كربلاء .
وحينذاك كانت القبائل لا تعي البعد العقائدي للتشيع او التسنن , بل تدرك البعد السياسي للخلاف بين بيت النبوة وبين بني امية في الغالب , وكانت تحتكم الى كل الصحابة الذين تثق بهم من خلال المعرفة المباشرة او بالتابعين , لكنها تجعل لبيت النبوة مقاماً معرفياً عالياً ومنزلة أخلاقية فوق منازل الناس .
ان ابن زياد كان الوالي على المصرين وقد قدم الكوفة مع خمسمائة مقاتل ولحقته جيوش البصرة لا شك , لهذا ليس من المنطقي الاعتقاد بأن اهل الكوفة هم من انفردوا بقتال الحسين بن علي . وكذلك هو امر يكشف ان حركة ابن زياد لم تكن مخفية ليتمكن من خداع القبائل الكوفية بأنه شخص اخر
ونتيجة البعد السياسي كانت هناك قبائل تنصب العداء للبيت النبوي بسبب سيف علي بن ابي طالب في رجالات قبائلها في معاركه على التنزيل ضد الكفر او في معاركه في الإسلام على التأويل ضد النفاق , ومن هنا اختارت هذه القبائل نسقها العقائدي لاحقا . ومن ثم كانت المناطق الاعرابية والصحراوية اكثر بغضاً لآل علي , بسبب معارك قيس عيلان والجمل . وكذلك مناطق الشام بسبب الثقافة التي نشرها ولاة عمر بن الخطاب عليها مثل يزيد بن ابي سفيان ومعاوية وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد .
وقد ظلت قبائل كبيرة في مدينة مثل البصرة – التاريخية حتى عُمان – ناصبية الى زمن الامام جعفر بن محمد الصادق ابن حفيد الحسين[10] . الا ان هناك تطوراً نسبياً في قبيلة بصرية مثل تميم حين دعاهم الحسين الى نصرته[11] .
وقد كان ابن زياد يشتري الجند بالمال والعطايا والاقطاع[12] , ولو كانوا شيعة ما اشتراهم والتزموا الحياد على الاقل وما عليهم باس كما التزم غيرهم والذين ثاروا لاحقا . ومع ذلك ظل بعض النوادر من هذه القبائل المترددة شيعة للحسين بن علي كما كانوا لأبيه من قبل على شكل افراد , مثل جندب بن حجير الكندي الذي اشترك سابقاً في صفين ضمن جيش علي وكان اميراً على كندة والازد ثم التحق بالحسين في كربلاء[13] .
ومثل هؤلاء النواصب ذو العقل الدنيوي ( شبث بن ربعي التميمي ) الذي نصح علياً بتولية معاوية شيئاً من الإمارة ليأتلفه ، ظاناً انه إنما يقاتل على الدنيا او بسياسة من قبله ، ولا يعي عظمة دين علي . وكان شبث هو من يقود فئة بني تميم التي ساعدت أبا موسى الاشعري في تثبيط الناس عن نصرة علي بن ابي طالب , وقد ردوا على خطبة عمار بن ياسر الذي كانوا يدعوا الى حق علي , فيما تولى شبث بن ربعي الرد على زيد بن صوحان الذي غضب من خذلان القوم للحق العلوي[14] . ثم يثير معاوية الذي وصف ابن ربعي بالأعرابي ، وهذه الصفة احد أسباب التذبذب في شخصيته ، وهي التي جعلته في فئة الاعراب في حروب ( الردة ) الذين لا هم مع الثوار على ابي بكر ولا في جيش قادة الانقلاب[15] . لذلك قتل من بعد هذا الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة لصالح بني أمية[16] . ويبدو ان الخصائص الأعرابية التي اشتمل عليها شبث بن ربعي قد اشترك فيها مع عشرات الآلاف في جيش علي بن ابي طالب ، باعتبار ان جيشه ذو صفة رسمية يشتمل على فئات متعددة في الامة باعتباره الخليفة . وهؤلاء الآلاف هم الذين أصبحوا فئة ( الخوارج ) ، حيث فرضوا على علي إيقاف القتال ، ثم القبول بالتحكيم ، وقد عارضهم علي ، لكنهم اصروا ، فرشح لهم ابن عباس والاشتر أطرافاً في التحكيم ، فرفضوا ، وفرضوا عليه أبا موسى الأشعري ، الذي كان قومه اغلب في جيش معاوية وكان هواه في عبد الله بن عمر ، وهو الذي خذّل الناس عن علي ، ثم طلبوا الى علي ان يقول بكفر من قبل التحكيم ويتوب . فهذه الفئة كانت من السذاجة ان تتذبذب عقائدهم كما تذبذبت مواقفهم . فأساس عقيدتهم تولي الشيخين والبراءة من الصهرين فيتولون عثمان إلى حين وقوع الاحداث ويتولون عليا إلى حين وقوع التحكيم وهم القراء الذين كانوا في صفين وقد اسودت جباههم من طول السجود . وكان على رأسهم ( ذو الخويصرة حرقوص بن زهير ) احد أعراب بني تميم ، الذي اعترض على النبي في حياته وقال له : اعدل . ورغم إصرار علي على نقاشهم والحوار معهم الا انهم كانوا في الغالب اجهل من ان يستوعبوا لغة علي او احتجاج ابن عباس . ومع هذا فعلي يعلم انهم فئة مؤمنة ، لكنها ضمن مستوى ابتدائي من الإيمان ، لا يرقى للوعي بعد ، على خلاف مكرة أهل الشام . فحاول طويلاً معهم ، وحاورهم هو ورجاله من الصحابة كثيرا ، حتى رجع منهم معه ألفان ، ثم ستة آلاف أقنعهم بالتورية حقناً لدمائهم ، وقد كانوا جميعاً اثني عشرة ألفا .
وكان هناك زعماء قبائل مثل عمرو بن الحجاج الزبيدي عيناً لبني امية , رغبة في الدنيا وقد كسر بموقفه قبيلة كبيرة كان شريكاً في زعامتها هي مذحج , وبذلك انكسرت الكوفة التي تشكّل مذحج ثقلاً فيها , وتم الامر بمعونة شريح القاضي , وكذلك زعيم قبلي كبير هو محمد بن الاشعث بن قيس الذي كسرها بكندة كما كسر ابوه جيش علي[17] . وكانت لعبتهم كبيرة وخطيرة بعقول الناس الذين كانوا حديثي عهد بهذا النوع من المؤامرات بعد الإسلام , اذ عمل محمد بن الاشعث كجاسوس لعبيد الله بن زياد , في انحطاط اجتماعي وسلوكي كبير فضلاً عن الدين , اذ ان هذا الشخص الذي كاد ابوه ان يصير ملكاً يصير العوبة بيد مولى لا يُعرف له جد ولم يحترمه قط بل كان يسيء اليه ويذله . فدلّ ابن الاشعث على مسلم بن عقيل رسول الحسين الى الكوفة وضغط على زعيم مذحج هانئ بن عروة , فحاصرهم ابن زياد وقتلهم , وحين خرجت مذحج تطلب بدم زعيمها وضيفه كانت وظيفة شريح القاضي شهادة الزور بانهم احياء لم يُقتلوا , فيما دور عمرو بن الحجاج قيادة مذحج نحو قصر الامارة كأنه يريد الحرب – وكان قادراً حينها على قتل عبيد الله بن زياد ومنع قتل الحسين باكرا – ومن ثم الاقتناع وإقناع عشيرته وقومه بصدق شهادة القاضي ودفعهم للانسحاب , وكان دوره خطيراً اذ كانوا بدونه سيهجمون على القصر حمية قبلية. وبهؤلاء المترددين تمكن ابن زياد من الحجر على الشيعة ومنعهم من الوصول الى الحسين[18] .
وكذلك كان أمثال كثير بن شهاب ومحمد بن الاشعث سبباً مهماً في جنوح مسلم بن عقيل الى رفض القتال , فقد خرج مع مسلم نحو قصر الامارة ثمانية عشر الفاً بين شيعي عقائدي وبين رافض للظلم الذي عليه سلطان بني امية , وما مع ابن زياد في القصر الا ثلاثون رجلاً وقد اغلق الباب عليه , ولو أراد مسلم ساعتها البدء بقتال لأفناهم بالحجارة وحدها , الا انه لم يكن مأموراً بالقتال من قبل الحسين هذا اولاً , وكان خروج قسم كبير من مذحج مع كثير بن شهاب وقسم كبير من كندة مع محمد بن الاشعث نصرة لابن زياد وتوهيناً لأمر مسلم بن عقيل ما جعله يخشى من حرب أهلية قبلية داخل الكوفة يموت فيها أهلها الذين هم بين متشيع وبين من في صلبه – بعلم الامام – شيعة , فلم يأمر مسلم احداً بقتال , فانسحب الناس الى قبائلهم وبيوتهم[19] . وكان الذين دلوا ابن زياد على مكان اختفاء مسلم هم ال الاشعث ذاتهم , اذ جاء بالخبر اليه عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث[20] .
ولمعرفة قوة تأثير هؤلاء الزعماء القبليين المنافقين في إعاقة حركة مسلم بن عقيل فيجب تذكّر كيف ان هانئ بن عروة المرادي زعيم مذحج وشيخها الأكبر الذي كان يدرع في ثمانية الاف فضلاً عن حلفائه من كندة قد سيق الى السوق وضرب عنقه وهو يصيح وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم , ولم ينتصر له احد , لأن زعيم مذحج الاخر وهو عمرو بن الحجاج الزبيدي وزعيم حليفتهم كندة محمد بن الاشعث بن قيس كانوا جنوداً لابن زياد والي بني امية فعليا .
ان ما يبدو واضحاً ان انكسار الكوفة وتخليتها لبني امية كان بيد عمرو بن الحجاج ومحمد بن الاشعث , وفي ذلك الوقت كان الانكسار ينشأ عن الولاء القبلي لعراقة الزعماء[21] . لهذا ليس من الغريب اذاً ان نجد عمرو بن الحجاج هو ذاته من منع الماء على الحسين وعياله في طف نينوى[22] . فيما كان اهل الفتوى والقضاة ثغرة أخرى أساسية في المجتمع الكوفي الرسمي كما كان من قبل أبو موسى الاشعري , فهذا قاضي الكوفة لبني امية عبد الملك بن عمير اللحمي يذبح مسلم بن عقيل بمديته بعد القائه من اعلى القصر وتكسر عظامه[23] . فهو لاشك افتى الناس بخلاف حكم الله , ولم تكن الناس حينئذ – لاسيما الشباب – قادرين على تمييز اهل الدين الحقيقي . حتى وصل الامر بعدئذ في قضاة بني امية ان يشككوا في شهادة المسلم على اعتقاده اذا كان من شيعة علي وفاطمة وعلى مذهب جعفر بن محمد الصادق كما فعل شريك قاضيهم مع ابي كريبة الازدي ومحمد بن مسلم الثقفي وهما من اهل الدين والفتوى[24] .
ومن مقالة منافق مثل شبث بن ربعي حين غضب لمقتل احد انصار الحسين وهو مسلم بن عوسجة نفهم ان هذه الغضبة كانت لمصره وليست عقائدية , بمعنى انه تأثر لغياب هذا الوجه الشجاع الكريم عن العراق , ومنه نعرف ان الكثيرين كانوا في جيش عمر بن سعد عصبية لزعمائهم وقبائلهم وليس لديهم معرفة بما يجري عقائديا[25] . فشبث بن ربعي كان رجلاً قبلياً ذا حمية وعصبية اعرابية , وهذا واضح من نهيه شمر بن ذي الجوشن – الذي لم يكن يتمتع بأخلاق من أي نوع - عن حرق فسطاط النساء[26] . وهو ما يجب ان ننتبه له عند قراءة مواقف الرجال للتفريق بين ما هو عقائدي وبين ما هو عصبية وحمية قبلية عربية, فشبث بن ربعي التميمي كان من الخوارج عقائديا . وقد جمع موقفه من زيد بن صوحان في الكوفة - حين كان زيد يستصرخ الناس لنصرة علي بن ابي طالب وكان شبث يدافع عن ابي موسى الاشعري في تثبيط الناس عن نصرة علي يوم الجمل – بين حميته القبلية وعقيدته الخارجية , اذ نادى زيداً بال ( عماني ) إشارة لكونه ليس من الكوفة , وفي ذات الوقت أراد ان يخرب عليهم ما يبنون من حث الناس على المسير الى البصرة[27] .
فيما كانت حركة قبائل متشيعة عقائدياً مثل عبد القيس نحو كربلاء لنصرة الحسين صعبة , لسببين , لبعد ديارهم جنوب البصرة قريباً من البحرين التاريخية , ولصد طريقهم بقبائل الاعراب والعثمانية في البصرة التاريخية , وقد تحركوا نحو علي والحسن سابقاً بصفة رسمية باعتبار انهما كانا خليفتين ورئيسا الدولة ولم تكن قبائل الاعراب قادرة على منع الطريق والا دخلت في حكم الحرابة . وكان قسم كبير من افراد القبائل التي لا عقيدة مذهبية واضحة لها ينكسرون وينحسرون عن نصرة الحسين بن علي بالركون الى رأي اهل الدعة والسكون السلبي أمثال عبد الله بن عمر الذي طلب الى الحسين ان يرجع فأبى الحسين , فلم ينصره ولم يبايعه , فيما بايع لاحقاً لبني امية[28] . وقد أسس بنو امية استغلالاً للجو الفقهي والروائي والرجالي المتذبذب لفكرة الجماعة الإسلامية وسوء الخروج عليها[29] . فيما كانت قبائل جيش معاوية مثل حمير في اليمن ظهراً لبني امية عليها عاملهم بحير بن ريسان الحميري[30] . وقد نشر عبيد الله بن زياد امير بني امية الجيوش في العراقين الى الشام واغلق الطريق الى الحجاز , فكان العراق حينها محاطاً تماماً ومحاصرا , وقد تم فرض الاحكام العسكرية والقتل على الظنة[31] .
اما الانباط فقد كانوا يشغلون رقعة واسعة بين البصرة والكوفة , ولم يكونوا منظمين بنحو الدولة او القبائل , وقد وقعوا في حيرة من نصرة احلافهم المنقسمين من قبائل العرب . حتى تهيأت لهم الفرصة النظامية وحلفاء جدد بقيام المختار والنخعيين بعد انسلاخ النواصب وخروجهم من العراق واستقرار النبط الى القبائل المتبقية . وكان من كثرة الموالي النبط وغلبتهم على جيش المختار الثقفي الثوري ان حركته حملت اسم قائدهم كيسان ابي عمرة , فسموا أصحاب المختار الكيسانية , ولم يكونوا فرقة اعتقادية كما نسبهم البعض بل فئة اجتماعية[32] . ومن كثرتهم حول المختار قال العرب : ان المختار قد آذى بموالينا فحملهم على الدواب واعطاهم فيئنا[33] .
فيما كان بعض قبائل قيس عيلان الاعرابية من فزارة وغيرها وكذلك الاعراب من بجيلة يشغلون شمالي الجزيرة الى جنوب العراق وكانوا عثمانية يبغضون الحسين واباه[34] . وهذا كان يضعف من حماسة الناس في الطريق للالتحاق بالحسين أكيدا . الا ان تلك المسيرة الحسينية كانت ضرورية قريباً من هذه القبائل لاختراقها فكريا , فكانت النتيجة التحاق مثل زهير بن القين البجلي بالركب الحسيني الثوري رغم انه لم يكن علوي الهوى بعد ان اثرت فيه زوجته دلهم بنت عمرو مبدئيا . وزهير بن القين لم يكن شخصاً عادياً بل كان وجهاً اجتماعياً شارك في فتح بلاد الخزر وتأثر بوجود سلمان الفارسي معه[35] .
لهذا فقد اجتمع للحسين انصار وشيعة قبل دخوله العراق من الحجاز وجنوب البصرة لكنهم تفرقوا بإذن الحسين عند جنوب العراق وحدود السماوة بعد ان اعلمهم بقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وان الأمور في الكوفة لم تستقم له[36] . وهذا يكشف انهم انما تبعوه لأسباب غير معرفتهم بالإمامة العقائدية , وانما لاحترامهم لمقامه الإسلامي العام وصلاحه الذاتي او رفضاً منهم لسلوك بني امية , ومن ثم هم لم يكونوا شيعة بالمعنى العقائدي . ومثال ذلك الحر بن يزيد التميمي وجيشه , فهم دليل على ان القوم كانوا من الفئة الاولية للإسلام وانهم في طاعة الدولة الاسلامية لكنهم يعرفون مقام الحسين بن علي الكريم في الامة , وهذا ما جعلهم يصلّون بصلاته رغم انهم رسل اعدائه من البيت الاموي[37] . وحال الحر التميمي واشراف الكوفة الذين استمالهم ابن زياد بمال الدولة والسلطة وميل قلوب الناس الى الحسين وسيوفهم عليه يكشف عدم تشيعهم ولكنهم يعرفون فضل اهل البيت ويدركون سوء بني امية[38] .
فيما كانت هناك قبائل لها ولاء عقائدي للحسين حبسها البعد عن نصرته , مثل قبيلة طي كما نجد في شعر الطرماح بن عدي الطائي حين جاء لنصرة الحسين . وقصة خروجه بجماعة على غير طريق الكوفة قادماً نحو الحسين يكشف حجم الحصار والطوق المفروض عليها ومنع الناس من اللحاق بالحسين , وهذا واضح من جيش الحصين بن نمير المقيم في القادسية[39] . فضلاً عن عيون بعض أبناء القبائل المحيطة بالكوفة مثل كندة والتي كان رسول ابن زياد الى الحر بحصار الحسين وان يجعجع به منها وهو مالك بن النسر الكندي والذي لم يبادر سوى أصحاب ابن زياد بالسلام ولم يسلم على الحسين واصحابه الامر [40].
ولم تكن كل القبائل قادرة على نصرة الحسين او انها لم تلحق به , ويمكننا تلمس ذلك من قصيدة عوف بن عبد الله بن الأحمر الازدي الشاعر الفارس الذي شهد صفين مع علي وبقي بعد شهادة الحسين يحض الشيعة على الطلب بدمه فيقول بعد عدة ابيات :
فيا ليتني اذ كان كنت شهدته فضاربت عنه الشانئين الاعاديا
ودافعت عنه ما استطعت مجاهداً واعملت سيفي فيهم وسنانيا[41]
ولما وجد كتبة السلطان انّ كعب الأحبار لم يعد كافياً لسدّ حاجة المجتمع الى المعرفة ، بعد ارتقاء العقل الاسلامي نحو المدنية اكثر ، صاروا بحاجة الى المزيد من الروايات والاحاديث والتفسيرات ، التي يمكنها ان تواجه ألكم المعلوماتي والخزين المعرفي للائمة الشرعيين من ( ال محمد ) ، والّا ستلجأ الأمة اليهم حتماً لسدّ حاجتها المعرفية . فابتدع القصّاصون وائمة الباطل قصصا واحاديثاً جديدة ، على منوال ونهج ( كعب الأحبار ) ومسلمة اليهود ، ارضاءً لجمهور وقادة الحزب العمري . فيجد الباحثون انّ الأحاديث التي تضمّنت وصف الأنبياء السابقين وأحوالهم تُنسب في ( صحيح مسلم ) لرسول الله ، لكنّها عند ( الثعلبي ) تُنسب الى ( كعب الأحبار ) ! . وفيما يورد ( ابن سعد ) قصة مرض الملك ( حزقيا ) على لسان كعب ، فالثعلبي يدمجها في قصة اكبر على لسان ( ابن إسحاق ) . وربما يكون من نتاج تفشي ثقافة روايات كعب الأحبار في المجتمع ان ينسب تغيير القبلة وفرض الصيام الى تأثر النبي بأفعال اليهود ، وان الله انزل هذه الشرائع كردود أفعال منه تجاه أقوال واراء اليهود ، لا انها شرائع ربانية مستقلة لها حكمة خاصة بعيدة المدى ، لا سيما انهم وضعوا في بعض رواياتها صوم اليهود يوم عاشوراء وادخلوا في هذا الْيَوْمَ مناسبات دينية تاريخية ، ثم نسبوا انه اول فرض للصيام على المسلمين[42] . تضييعاً منهم – رواة السلطة - لحق الحسين بن علي في هذا اليوم .
وامير جيش بني امية لقتال الحسين هو عمر بن سعد بن ابي وقاص , وقد بان لنا في بحث سابق ان اباه حسد علي بن ابي طالب ولم يبايعه رغم معرفته واقراره بفضله امام الناس , فيما اخت عمر بن سعد عند الدنيوي المغيرة بن شعبة , وقد علم ابن زياد حب هؤلاء للدنيا وان دينهم ليس عميقا , لا سيما وان سعد - أبا عمر- كان قد انتهز تولية عمر بن الخطاب له على جيش القادسية ونسب النصر الى نفسه ماحياً تاريخ القادة المضحين رغم انه لم يشترك عملياً في التخطيط او القتال بالسيف فيها , ومن ثم كان عمر بن سعد هو الأنسب لهذه المهمة بطمعه الدنيوي بملك الري – الذي لن يناله – وبحثه عن المناصب كأبيه , اما جيشه فلم يكن له علاقة بالتشيع ابداً وانما هو جيش الدولة الرسمي الذي وجهته الى الديلم ليقاتلهم[43] .
فيما كان الذين قاتلوا الحسين بين خارجي واموي وعثماني او من الفئة الاولية الخام للإسلام التي تتبع الدولة[44] . ففي مقالة شمر بن ذي الجوشن لعبيد الله بن زياد في الكوفة بعد ورود كتاب عمر بن سعد الذي ينزع الى السلم ما كشف بوضوح ان هؤلاء القوم كانوا نواصب صرحاء , فرغم ان ابن زياد كان دموياً الا انه على ما يظهر أراد الاستجابة لكتاب ابن سعد لولا نصيحة ابن ذي الجوشن الداعية الى قتل الحسين او القبض عليه[45] , وشمر هو ذاته من أراد قتل امام اخر هو زين العابدين علي بن الحسين في كربلاء ولا يفعلها الا ناصبي شديد النصب والجهل بقتله امامين في زمان ومكان واحد[46] .
[1] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 582
[2] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 587
[3] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 588
[6] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 588
[7] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 589
[8] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 588
[9] تاريخ مدينة دمشق / ابن عساكر / دار الفكر / ج ٨ / ص ٢٢
[10] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 586
[14] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 565
[15] تاريخ الطبري / دار الفكر / ج ٢ / ص ٢٩٤
[16] وقعة صفين / المنقري / ص ١٨٧ – ١٨٨
[18] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 586
[19] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 591 – 592
[21] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 592 – 593
[22] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 599
[24] اختيار معرفة الرجال \ الكشي \ ص 146
[25] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 605
[27] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 454
[28] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 593
[29] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 594
[30] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 594
[31] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 594 \\ وكل ذلك فصّلناه في كتاب خاص هذا البحث فصل فيه
[32] اختيار معرفة الرجال \ الكشي \ ص 119
[33] تاريخ التمدن الإسلامي 2 \ جرجي زيدان \ ص 31
[38] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 597
[39] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 597
[41] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج 2 / ص 458 \ ت 894
[42] تاريخ الطبري / ج ٢
[44] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 598
[45] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 600
[46]اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 636
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات