المشروع اللاديني في العراق
الصراع بين الشيعة وصدام كان عقائدياً بامتياز , فقد منح الأخير رجالاته من الشيعة في الثمانينات الكثير من الامتيازات الخاصة , الا ان العموم رفضوا التعاون معه او الميل الى فكره الدخيل والالحادي . وأعطى انصار مذهب اهل البيت في هذا الطريق الثوري مئات الالاف من القرابين .
الا ان الامريكان نجحوا بعد دخولهم الى العراق في تحويل انظار الشيعة نحو التعيينات والوظائف والمكاسب الحزبية المادية , حتى ضاعت تلك القيم الفاضلة والمبادئ الثورية في فوضى الصراع الحزبي والنهم المادي . حتى خسر الجميع ولم يربح احد سوى المشروع الأمريكي .
وقد كان من اهم ملامح نجاح هذا المشروع الأخير خجل الأحزاب والكيانات الإسلامية من طرح اية مشاريع قوانين تستند الى الدين , الامر الذي تطور عملياً الى صيرورة تلك الجماعات عقبات كأداء امام المشاريع الدينية .
واذا اخذنا نموذج السيد مقتدى الصدر وانصاره الذين كانوا في اقصى اليمين الديني نظريا , فسنجدهم اليوم في اقصى اليسار في تحالف مع الملحدين . فقد كان يُنظر الى السيد مقتدى الصدر على انه متطرف ديني , لاسيما وانه ابن السيد محمد الصدر الثائر الأخير . ولا يمكن الاعتماد على ذاكرة أنصاره او وعيهم قطعا , لانهم جماعات جاءت من مناطق مختلفة , العامل المشترك بينها انها بلا عقل .
اما الافراد الوحيدون الذين كانوا صدريين فعلاً مع مقتدى الصدر فقد خرجوا في تكتل ( العصائب ) , والذي كان يفترض به ان يعمل على تصحيح مسار الخط المقتدائي الذي انحرف عن قواعد التشيع واصبح بلا مرجعية , الا ان الحقيقة كانت ولادة مليشيا أخرى تبحث عن المال والنفوذ , ولم نرَ للإسلام اثر في سياستهم .
وقد يظن البعض ان خط عائلة الحكيم ابتعد عن كل المرجعيات الدينية وارتمى في الحضن الأمريكي الخليجي , الا ان الحقيقة تمثلت في وعي هذا الخط لمنهج مرجعية السيستاني في إبقاء الدين في الكتب حتى ظهور المهدي المنتظر , والتركيز على الزعامة .
ان مرجعية السيستاني لا شك هي العقبة الأكبر امام كل المشاريع الإسلامية في العراق , باتكاء الناس عليها , فيما هي لا تهتم سوى بالمال وثروات العتبات .
اما في الجانب الاخر وفي الطرف السنّي فلا نجد سوى الاستسلام للبعد الطائفي لدى الأحزاب الإسلامية والبحث عن ثارات ذهاب السلطة عن يدهم , وتحولهم الى أدوات القتل لكل المشاريع الأجنبية المختلفة حتى اصبحوا بلا هوية . وحين لم يجدهم الناس عملياً لجأوا الى شيوخ العشائر .
وحين ظهرت الى العيان الأجيال الجديدة من الشباب وجدوا اباءهم واحزابهم في خضم الصراع الفوضوي , فكانت اكبر امانيهم ان يجدوا الوظيفة او التعيين على دائرة ما . وكان قد انتهى الجيل الذي ضحّى بوظيفته وامواله وعشيرته من اجل مبادئه . وكانت هذه اجلى معالم نجاح المشروع الأمريكي .
فضاع الوحي ومدرسة ال محمد في صخب الفوضى والنزاع والقتل والدمار , ولا زال العراق دولة علمانية صريحة , تستند كلياً الى قوانين البعث وصدام , في ظل سذاجة جماعات مثل ( بدر ) التي حين تعطي الشهداء على الأرض تظن ان هذا مدعاة لكونها ستنجح سياسيا . والحقيقة ان البطولة في الميدان لا تعني النجاح السياسي . لهذا يتم استغلال أمثال هذه المنظمة من قبل مشاريع وأحزاب أخرى بكل سهولة .
تعليقات