فتنة الشام ودور الفهم الكلاسيكي للروايات
فتنة الشام ودور الفهم الكلاسيكي للروايات
البحث الصغير والمختصر هذا يتضمن افكارا تختص
بشيعة ال البيت عليهم السلام ، لذلك سيتفهم ما يتناوله هم بكل تأكيد ، كما انه
يطرح افكارا وتساؤلات لا قناعات راسخة ، في بعض اوجه القضية المهدوية ، سيما ما
يتعلق بارهاصات الظهور الشريف وعلاماته الدالة على قربه.
" إذا خرج القائم (عليه السلام) خرج من هذا
الامر من كان يرى أنه من أهله ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر "
" إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد
مما استقبله رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) من جهال الجاهلية، قلت: وكيف ذاك؟
قال: إن رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور
والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب
الله، يحتج عليه به، ثم قال: أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل
الحر والقر "
( غيبة النعماني )
" عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام قال: " لا يكون ما تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا
فلا يبقى منكم إلا القليل (4)، ثم قرأ: (ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا
آمنا وهم لا يفتنون "
( الارشاد للمفيد )
ان ما دفعني للكتابة في هذه القضية هو الاستغلال
السيء للنصوص الروائية الامامية ، ومحاولة ركوبها فئويا او سياسيا ، مقابل التضحية
بدماء الشيعة ورقاب شبابهم ، تحت عناوين مغلوطة ، استثمرت الفهم الكلاسيكي البارد
للعقول المتحجرة التي لازالت تعيش ايام الورق الحجري ، جامدة على النص دون ان
تحركه وتدمجه بنصوص اخرى وتقارنه بالحدث ، بعد ان تدرك معايير وقيم وسيرة المدرسة
الامامية ، لتنتج نظرية ، بامكانها قيادة المرحلة وانجاز مشروع التمهيد لدولة الحق
والعدل.
فها هو التسويق اليوم لدعوى حرب السفياني في الشام
كسب من المخدوعين الكثير ، من شبابنا العراقيين ، ظنا منهم ان ما يجري هناك هو
منطلق حركة السفياني. وربما يكون ذلك ،
لكن اي الاطراف في الشام سيمثل جبهة السفياني ? ، والذي يعرف جميع الشيعة انه اهم
اعداء الامام الحجة المهدي عجل الله فرجه ، بالضرورة سيكون جواب الشباب الذين
ذهبوا الى هناك كما هو جواب قادتهم " انهم النواصب " . وسيحدثنا
الكثيرون عن خشيتهم من قدوم هؤلاء النواصب الى ارض العراق ، ليعتدوا على المقدسات
والاعراض والانفس والثمرات ، خصوصا بعدما ما شاهدناه من افعال وتصريحات لهؤلاء
النواصب - كجبهة النصرة - تدل على انحطاط فكري واخلاقي.
لكن الغريب ان كل هذه التصورات السابقة عن
السفياني وحقيقته لا تكاد تصمد امام امرين : مضمون الروايات و الواقع.
ففي الروايات نرى ان للسفياني حركة تقتل اعداء
الشيعة لا الشيعة في بداية انطلاقها ، كما انه يحترم النساء والاطفال ولا يعتدي
عليهما ، وحتى حين ينقلب حاله ويطلب رقاب الشيعة فهو لا يتعرض للجميع بل الى خط
واحد من الشيعة ، والمبرزين منهم لا المتغيبين عن وجهه ، والاغرب انه يمنع
المجاميع التي تقدم لهدم المراقد والمقدسات ، لكن الاهم ان السفياني نفسه يبايع
الامام المهدي عليه السلام - بالعنوان الثانوي - في اول حركة الظهور ، ثم ينقلب
عليه بتأثير الحاشية السفيانية .
ابا جعفر الباقر( علية السلام) يقول (( اتقو الله واستعينو على
ما انتم عليه بالورع والاجتهاد في طاعة الله فأن اشد ما يكون احدكم إغتباطاً بما
هو فيه من الدين لو قد صار في حد الاخرة وانقطعت الدنيا عنه فاذا صار في ذلك الحد
عرف انه قد استقبل النعيم والكرامة من الله والبشرى بالجنة، وأمن مما كان يخاف
وأيقن ان الذي كان عليه هو الحق وان من خالف دينه على باطل وأنه هالك فأبشرو ثم
ابشرو بالذي تريدون ألستم ترون اعدائكم يقتتلون في معاصي الله ويقتل بعضهم بعضا على
الدنيا دونكم وانتم في بيوتكم أمنون في عزلة عنهم وكفى بالسفياني نقمة لكم وهو من
العلامات لكم مع أن الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهراً او شهرين بعد خروجه لم يكن
عليكم بأس حتى يقتل خلقا كثيرا دونكم
فقال له بعض أصحابه: فكيف نصنع بالعيال إذا كان
ذلك؟ قال: يتغيب الرجال منكم عنه فأن حنقه وشرهه إنما هي على شيعتنا وأما النساء
فليس عليهن بأس إن شاء الله تعالى قيل: فإلى أين مخرج الرجال ويهربون منه؟ فقال:
من أراد منهم أن يخرج يخرج إلى المدينة او الى مكة أو إلى بعض البلدان ثم قال ما
تصنعون بالمدينة وانما يقصد جيش الفاسق اليها ولكن عليكم بمكة فانها مجمعكم وإنما
فتنته حمل أمرأة: تسعة أشهر ولا يجوزها أن شاء الله ))
" غيبة النعماني "
فاي نواصب هؤلاء الذين يفعلون كل ذلك ، والواضح ان
هذه الافعال هي اما لشيعة او لخليط فيه شيعة لكنهم منحرفون فكريا.
اما الواقع ، فتحدثنا الروايات جميعها تقريبا التي
تتحدث عن تاريخ حركة السفياني ان ظهوره في رجب ، فاذا كانت احداث الشام هذه
القائمة اليوم هي من سينتج عنها السفياني - كما يعتقد الغالبية - فهي تكاد تنتهي ،
ولم يبق الا بعض المدن القليلة خارج سيطرة الحكومة وحلفائها ، ومع حديث الروايات
عن انحسار بعض الرايات هناك بسبب داخلي هو الخلاف بينها ، وكما نشاهد اليوم مصداقه
عبر الصراع بين الجيش الحر وجبهة النصرة ، وهم اكبر واهم فصائل المعارضة ، اضافة
للصراعات الصغيرة بين المجموعات المعارضة المختلفة على الارض ، نكاد نجزم ان هذه
القوى ستنتهي قريبا وسريعا كاطراف لها اهميتها ، لذلك من المستبعد بقاء الصراع الى
رجب القادم ، والاقرب هو رجب الماضي قبل شهرين - ونحن في رمضان - ، فما هو الحدث
الاستراتيجي الاهم في رجب الماضي? ،
الجواب لاشك انها معركة " القصير " ، وهي معركة انكسر فيها النواصب شر
كسرة والى غير عودة ، فيما كان المنتصر هم الشيعة وحلفائهم! .
فكيف سنجمع كل هذه التفاصيل في ذاكرتنا التي تم
رهنها لتصور معين عن السفياني ، يقضي بانه ناصبي ، وسيسيطر على سوريا ، حين يظهر
في رجب ، ويقتل الشيعة ويحارب مقدساتهم? ! .
اما اليماني فتم التركيز على انه من يمن اليوم ،
وهي يمن - مع احترامنا لها - لازالت تبحث عن هوية لها ، فكيف ستقود التشيع في
العالم نحو المهدي ، وتحت راية هي اهدى الرايات!
.
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (خروج الثلاثة
الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد وليس فيها
راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق) ( البحار )
ان اصحاب هذه الكتابات في اليماني رأوا بصورة
واضحة ان حركته علمية غير مسلحة ، كما هو ملخص الروايات التي تتحدث عن نشاطه ،
فكان ذلك عند من يسيطر على ادوات الثقافة الشيعية اليوم مخالفا لمفصلين تم دقهما
في المفكرة الشيعية ، وهما ان كل حركات نصرة الامام المهدي يجب ان تكون مسلحة ،
كما ان ايران هي من سيقود كل شيء باتجاه الامام . والمشكلة في هاتين النقطتين ان
حركة اليماني لا تتحدث الروايات عن حملها السلاح ، بل لا تتحدث عنها كثيرا رغم
انها اهدى الرايات .
(فإذا ظهر اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل
مسلم)
ونكاد ندرك بوضوح انها حركة علمية تنويرية مهمة
محاصرة بمجموعة من الحركات المسلحة والمتنفذة التي تريد سلبها الدور القيادي لها ،
رغم ان من التوى بعنقه عنها التوى به الى النار.
والواضح جدا - لذوي الاختصاص واصحاب الفكر - ان هكذا حركة تنويرية محاطة
بضغط مسلح ومختلف معها لا يمكن ان تنتج عن مجتمع كالمجتمع القبلي اليمني المعاصر ،
بل هي مقتصرة علميا على مجتمعات تمت تربيتها لقرون واجيال من اجل هذه الفكرة وهذه
اللحظة. والاقرب لذلك هو المجتمع الديني
العراقي المنتج فكريا رغم ما يمر به ، كما ظل على الدوام منطلق كل نهضة فكرية
شيعية. وهذا هو ملخص مراد رواية سدير في
الكافي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) يا سدير ألزم بيتك وكن حلسا من
احلاسه واسكن ما سكن الليل والنهار فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فأرحل إلينا ولو
على رجلك " , والسؤال الى من يرحل ولازال الامام لم يجهر باسمه ؟ .
لكن كيف يمكن تسمية صاحب هذه النهضة باليماني وهو
عراقي? ، والامر ليس فيه من عجب ، وهل
جنوب العراق في الغالب الا زبدة القبائل اليمانية ، كالازد وطي وغيرها ، بما فيهن
من قبائل الانصار والنخع وغيرها من فروع التشيع الكبرى ، التي ضمت الى بطنها
الموالي من سكان العراق القدماء الاصليين ، بل وهي ذات القبائل التي ولدت
الاشعريين الذين بنوا مدينة قم واقاموا مدرستها الدينية ، حين زينها الله بالعرب
كما جاء في مضمون الرواية. ان حدود ما اطلعت عليه من روايات اليماني تكشف اختلافه
كليا عن الحركات الشيعية المعاصرة له ، فهو هدوء وسكينة ونضوج ، تحيطها العواصف
والتجارب المتقلبة وغير الواعية ، والاهم ان الكثير من الشيعة سيكونون مفتونين
بمجرى العواصف بعيدين عن نهضته ، فكيف سيتاح له ايصال صوت المهدي للعالم وقد اصبح
المحيط الاجتماعي لليماني سببا في خنق حركته ! .
لكنه مع ذلك كله سيجبر السفياني على التعامل معه ،
كيف يكون ذلك والسفياني هو القوة المسيطرة فيما اليماني حركة سلمية في الغالب لا
تشكل تهديدا مسلحا? ، السبب كما يبدو ان
السفياني بعد سيطرته ونفوذه لن يخشى السلاح الذي يحمله غير الناضجين والناعقين مع
كل ناعق ، بل سيلتفت الى الخطورة الفكرية التي يشكلها اليماني على مجمل وجود
السفياني اجتماعيا ، حيث ان اعداء السلاح يمكن اتهامهم ومواجهتهم عسكريا ، لكن
قادة الفكر لا يمكن القضاء عليهم اذا زرعوا افكارهم في المجتمع بصورة مؤثرة ، ومن
هنا يخشى السفياني وليد الفكرة المنحرفة التي تعيش عن طريق الخداع ونشر الجهالة
والفكر المغلوط ان يفتح اليماني الباب لشيء من النور الكاشف للحقائق امام الناس ،
فيلجأ اخيرا لمواجهته. ومن هنا ندرك مغزى الحديث في كتاب الغيبة للنعماني :
" عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله(عليه
السلام) أنه قال: اليماني والسفياني كفر سي رهان "
ونرى ايضا الخراساني ، الذي يمكن القول انه الحركة
الشيعية الاكبر المعاصرة لكل من اليماني والسفياني ، والذي يتم الترويج له اليوم
على انه ذلك المارد الايراني المخلص ، ولا مشكلة في ذلك ، لكن ان يتم سحق قضية
اليماني صاحب الراية الاهدى في الاوساط الفكرية والاعلامية للترويج للخراساني
وحركته فهذا هو اول الوهن. وقد تم اللجوء لآليتين في فتح الطريق للخراساني على
حساب الحركة اليمانية ، اولهما الاهمال المتعمد ، وثانيهما الترويج لكونه من احدى
قرى اليمن المعاصر . فيما يعلم المتخصصون ضعف مجمل الروايات التي تحدثت عن اسم
محدد لمنطلق اليماني ، كما ان ذلك محذور امني لا تأتيه روايات اهل البيت عليهم
السلام لمن درسها ، فضلا عما ذكرناه اعلاه من استحالة قيادة شخصية يمنية معاصرة
للتشيع الاهدى والانضج فكرا ، لا اساءة مني لاخوتي اليمنيين ، ولكن لمقتضيات
الضرورة العلمية الفكرية والتاريخية وحاجات العالم المعاصر. وكان بودي الاسهاب في
شرح هذا الموضوع من جميع النواحي الفكرية والاجتماعية والتاريخية وعموم التخطيط
الالهي ، لكن للاسف سيحتاج مني اوراقا كثيرة ووقتا اطول ، فبقي هذا الشرح حبيس
كتاب لا اعرف متى يرى النور.
مع ذلك نرى ان الخراساني في الروايات رغم ضخامة
حركته ونواياه الطيبة تجاه تسليم الراية للامام المهدي الا انه ليس صاحب راية
الهدى ، ولن تلتوي عنق من التوى عليه الى النار ، كما جاء في اخبار اليماني مثلا.
والواضح ان حركة الخراساني يمتزج فيها البعدان
الفكري والعسكري ، الا ان الجانب العسكري يكون غالبا ، ومن هنا سيكون في حركته
مشاكل اجتماعية وسياسية وامنية ، يفرضها الوضع العالمي المعاصر ، لكن الاهم انها
ستتسبب ببعض المشاكل لليماني بكل تأكيد ، لاعتبار انه الوجه الذي يحمل فكر المهدي
الى العالم بطريقة اكثر تحضرا ، ولاعتبار ان الخراساني سيتسبب بازاحة الكثير من
الناس عن اليماني سلبا وايجابا ، مما يؤدي الى خسارة اليماني لقوى وآليات ضرورية
لحركته.
وفيما يكون اليماني جزءا من النسيج الاجتماعي
لساحة الظهور الاساسية في العراق سيكون الخراساني غريبا عنها - على الاقل وفق
تصورنا الحالي - ، لذلك سيكون اليماني اكثر قدرة على ترتيب الاوراق في عاصمة
الامام قبيل الظهور ، في حين ستكون حركة الخراساني مسببة لارباك هذا العمل اليماني
ومثيرة لحفيظة شعوب هذه الارض ، رغم كونها لا تقصد الا تسليم الراية للامام المهدي
عليه السلام.
ومن المتوقع ايضا ان الحسابات المادية للخراساني
والمقامة على اساس المصلحة الفئوية - التي ابعدته سابقا عن خط وقيادة اليماني - ستجعله
يقيم تحالفات لا يمكن الوثوق بنتائجها تجاه حركة الامام المعصوم ، وربما تكون
تحالفات متناقضة ، او انها لا تقوم على اساس ثابت ، وهي لذلك تحالفات ستخلق اعداءا
كثرا لمجمل القضية التي ينادي بها الخراساني ، والتي هي قضية المهدي بكل تأكيد ،
بخلاف اليماني ، الذي يبدو في الروايات انه اكثر هدوءا وحكمة.
ومن الامور التي يتم الترويج لها اخيرا هي قضية
" اصحاب البراذين الصفر " ، والذين تذكر الروايات دخولهم المفاجئ في
احداث الشام المأساوية ، وما يتم تسويقه بهدوء - بسبب انفراد روايات قليلة بذكره
دون بيان ان كان ايجابيا ام سلبيا - هو ان هؤلاء لا يمكن ان يكونوا الا جنود حزب
الله اللبناني المقاوم ، باعتبار ان راياتهم صفراء ، وقد دخلوا مؤخرا على احداث
الشام بقوة .
ولا ارى شخصيا مشكلة في تقبل ذلك ، لكن كل المشكلة
في اخذ ذكرهم في الروايات على انه مدح لموقفهم من احداث الشام ، وهذا خطأ
متعمد.
عن المغيرة بن سعيد، عن أبي جعفر الباقر(عليه
السلام) أنه قال: [قال أميرالمؤمنين(عليه السلام)]: " إذا أختلف الرمحان
بالشام لم تنجل إلا عن آية من آيات الله. قيل: وما هي يا أميرالمؤمنين؟ قال: رجفة
تكون بالشام يهلك فيها أكثر من مائة ألف، يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذابا على
الكافرين، فإذا كان ذلك فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب المحذوفة والرايات
الصفر، تقبل من المغرب حتى تحل بالشام، وذلك عند الجزع الاكبر والموت الاحمر، فإذا
كان ذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها: حرستا، فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة
الاكباد من الوادي اليابس حتى يستوي على منبر دمشق فإذا كان ذلك فانتظروا خروج
المهدي [(عليه السلام)] " غيبة النعماني .
ان الرواية لم تذكرهم سوى باعتبارهم احدى العلامات
مع حدوث خسف كبير وامور اخرى على من هم ( احلاس بيوتهم ) الذين يخاطبهم الامام
اخذهم على نحو العلامة التي تعني قرب ظهور الامام , وحينها على المجتمع الذي
يخاطبه الامام التحرك نحو اهل البيت عليهم السلام كما عرفنا . لكن الرواية لم تبين
هل ان ما اتوه منسجم مع مصلحة المهدي ام لا . والواضح من حركتهم المشابهة لآليات
حركة الخراساني انهم ليسوا جزءا من حركة اليماني ايضا ، لذلك يمكن الخشية من بعض
قرارتهم على القضية المهدوية ، لانها ستكون خارج دائرة الحكمة اليمانية بنحو ما
يبدو لنا , سيما ان ما يكون بعد دخولهم هو ( الجزع الاكبر والموت الاحمر ) .
والاغرب ان بعد ظهورهم يخرج ابن آكلة الاكباد من الوادي اليابس – وهو على ما اعتقد
وادي الجهل - , وبالتالي فان قدومهم كان بداية البلاء لا الفرج ! .
الشيء الآخر ان العقلية العنيفة التي تم انتاجها
مؤخرا داخل المجتمع الشيعي - بسبب الاضطهاد والمحاربة وردود الفعل - باتت تجعل
ميزان القيادة هو حملها للسلاح ، ولما كان اليماني اقل الناس حملا للسلاح كما يبدو
من الروايات فسيكون تحت الاتهام ، فيما تقبلت هذه العقلية بسهولة ويسر ان زعيم حزب
الله اللبناني السيد حسن نصر الله يمكن ان يكون هو اليماني او جزءا من حركته ،
بناءا على ميزان السلاح المعمول بها حاليا . لكن الغريب والملفت ان المقاومة
اللبنانية رغم دورها التاريخي والمشرف في الدفاع عن بلدها لا يكاد يكون هناك تلميح
لدورها في الروايات سوى موضوع اصحاب البراذين الذين يقدمون الى سوريا كاحدى
العلامات. والاغرب ان خطاب المعصوم جعلهم
علامة على احد المجتمعات مراقبتها ، وبالتأكيد ان المجتمع الموجه له الخطاب هو من
يرى الامام علاقته المباشرة بالقضية المهدوية.
عن جابر الجعفي، عن ابي جعفر عليه السلام قال:
(الزم الارض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات اذكرها لك، وما اراك تدرك
ذلك: اختلاف بني العباس، ومنادٍ ينادي من السماء، وخسف قريةٍ من قرى الشام تسمى
الجابية، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، واختلاف كثير عند ذلك في كل
أرض، حتى تخرب الشام ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها: راية الأصهب، وراية
الأبقع وراية السفياني) الارشاد .
من الاشياء التي تثير المراقب المحقق او الواعي ان
جملة كبيرة من الشيعة باتت تعتقد ان مجتمع العلويين السوريين هو جزء من سير الحركة
الاصلاحية المهدوية ، وهو خطأ كبير وسلبي جدا . ان عدة اعتبارات مهمة تدعو لرفض
هذا الفهم ، من اهمها ان المجتمع العلوي ليس جزءا من المنظومة الفكرية التي اسسها
المعصومون ، وهذا هو اعتقادنا نحن على الاقل باعتبارهم ليسوا جزءا من المدرسة
الامامية ، وبالتالي من الصعب جدا ان يكونوا هم المجتمع المنتج لمراد المعصومين ،
رغم امكانية استيعابهم في المشروع المهدوي ، ولكن تحت ادارة اليماني لا الخراساني
، لاننا اذا اخذنا بافتراض ان الخراساني يمثل الوضع الايراني الراهن فان ذلك يعني
وجود حاجز نفسي بين العلويين غير البعثيين - والذين هم في الغالب مستائين من
دكتاتورية البعث ويقاتلون الى جانبه حاليا فقط لدفع الخطر عن وجودهم - وبين
السلطات الايرانية المساندة للنظام دون دراسة مصالح العلويين جميعا ،كما ان الحكومة
السورية القائمة اليوم بعيدة كليا عن المشروع الديني ، فضلا عن المشروع الاصلاحي
الامامي ، ولا يستطيع انسان شيعي واحد ان يضمن او يتعهد انها ستكون الى جانب
المهدي ولا تشكل خطرا عليه ، بل الاسوأ انها كانت جزءا من مشروع ايذاء شيعته في
العراق بعد 2003 لاسباب سياسية مصلحية انانية .
ان الحماسة تدفع الشباب غالبا نحو الجهة الاكثر
صخبا او اشهر اعلاميا ، لكن ذلك في قضية المهدي - التي هي قضية هادئة منذ ولادة
الامام - لا يمكن ان يكون منتجا ، لأنه قد يأخذهم بعيدا عن الراية الاهدى ،
والاخطر انه قد يجعلهم تحت راية السفياني - على فهمنا الحالي له - دون فطنة منهم
وتحت تأثير مجموعة من الاصوات التي تنطلق وفقا للتأثير العاطفي ، خصوصا داخل
المجتمعات المتشيعة من قرنين او اكثر او اقل بقليل لأسباب تربوية ورواسب البداوة
وتشيعهم في زمن التأثير الفكري الصفوي العاطفي غير العميق تاريخيا
ان جميع الاشكالات اعلاه تكشف بوضوح ان العقدة
الاساسية هي القدرة على التشخيص ، تشخيص القيادة الواعية او تشخيص العدو او تشخيص
الموقف الاصلح ، وكل ذلك يتطلب حكمة وعمق وهدوء ، وهي مفاهيم يصعب توفرها مع سرعة
الاحداث وسيطرة الاعلام والفكر الفئوي والعاطفي وغلبة التأثير السياسي على التأثير
الفكري .
انا شخصيا بعد دراستي لمجموعة من الروايات لم اجد
منها دفعا باتجاه حمل السلاح او الضوضاء والصخب ، بل ان من الواضح جدا ان هذه
الروايات لا تتحدث سوى في العلامات والجماعات والقيادات والقدرة على تشخيصها ، ولم
تطلب اكثر من الانتباه والحنكة والفطنة ، بل ان شكلها العام ومضمونها يبدوان انهما
يعلمان الشيعة كيف يشخصون الموقف الصحيح . فليس المهم ان تكون مع جهة محددة في
عالم الصراع القائم بقدر ان تكون محتاطا في المواقف ، بمعنى انك اذا كنت تعلم عدم
قدرتك على التشخيص فالروايات لم تطلب منك اكثر من الصبر وانتظار المهدي انتظارا
ايجابيا ، يمهد له الارض بالحكمة. اما اذا
كنت قادرا على التشخيص ولديك الآليات المناسبة فابحث مقدما عن صاحب الراية الاهدى
وهو اليماني.
" عن عبد الله بن أبي منصور البجلي قال سألت
أبا عبد الله ع عن اسم السفياني فقال و ما تصنع باسمه إذا ملك كور الشام الخمس
دمشق و حمص و فلسطين والأردن و قنسرين فتوقعوا عند ذلك الفرج قلت يملك تسعة أشهر
قال لا و لكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوما "
عن الفضيل ابن يسار، قال: " سألت أبا
عبدالله(عليه السلام) عن قول الله عزوجل " يوم ندعوا كل اناس بإمامهم"
فقال: يا فضيل اعرف إمامك، فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك تقدم هذا الامر أو تأخر،
ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الامر كان بمنزلة من كان قاعدا في
عسكره، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه "
( كمال الدين و تمام النعمة )
اذن ليس المهم اسمه , بل المهم تشخيص الموقف .
...
علي الابراهيمي
A1980a24@gmail.com
تعليقات